للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجمَع العلماءُ (١) أن الجوْرَ البيِّنَ، والخطَأ الواضِحَ الخالِفَ للإجماع والسُّنةِ الثابتةِ المشهورةِ التي لا مُعارِضَ لها، مَرْدُودٌ على كُلِّ من قَضى به.

ذكر مالكٌ، عن يحيى بنِ سعيدٍ وربيعةَ، أنَّ عمرَ بنَ عبدِ العزيز كان يقولُ: ما مِن طينةٍ أهْوَنُ عليَّ فتًّا، ولا كتابٍ أهْوَنُ عليَّ ردًّا، من كتاب قَضَيْتُ به، ثم أبصَرْتُ أنَّ الحقَّ في خِلافِه. أو قال: في غيرِه (٢).

وفي هذا الحديثِ أيضًا: أنَّ اعتِرافَ الزاني مرَّةً واحدةً بالزِّنى، يُوجِبُ عليه الحدَّ ما لم يَرْجعْ، ألا ترَى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن اعْتَرفتْ فارجُمْها"، ولم يَقُلْ: إن اعْتَرفت أربعَ مرَّاتٍ. وسَنُبيِّنُ هذا في بابِ مُرْسَلِ ابنِ شهابٍ من هذا الكتابِ (٣) إن شاء اللهُ.

وفي هذا الحديث أيضًا: إثباتُ خَبَرِ الواحِدِ (٤)، وإيجابُ العَمَلِ به في الحُدُودِ، وإذا وجَب ذلك في الحدودِ، فسائِرُ الأحكام أحْرَى بذلك.

وفيه: أنَّ للإمام أن يسألَ المقذوفَ، فإن اعْتَرف حكم عليه بالواجبِ، وإن لم يَعْتَرفْ، وطالبَ القاذِفَ، أخَذ له بحَدِّه. وهذا مَوْضِعٌ اختَلَف فيه الفقهاءُ،


(١) في ش ٤، ر ١: "وقد أجمعوا"، والمثبت من الأصل.
(٢) أخرج هذا الأثر الفَسَوي في المعرفة والتاريخ ١/ ٥٩٨ عن محمد - لعله ابن أبي زُكير - عن مالك، به. والبيهقي في السنن الكبرى ١٠/ ١١٩ عن أبي عبد الله الحاكم، عن أحمد بن سهل، عن إبراهيم بن معقل، عن حَرملة، عن ابن وهب، عن مالك، به، ولفظه: "ما من طينة أهون عليَّ فكًّا، وما من كتاب أيسر علي ردًّا، من كتاب قضيت به ثم أبصرتُ أنَّ الحقَّ في غيره ففسخته". وابن عساكر في تاريخ دمشق ٤٥/ ١٩٤ من طريق البيهقي بلفظه غير أن فيه: "فنسخته" بدلًا من: "ففسخته"، ويظهر أنَّه تصحيف، والله أعلم.
(٣) الحديث العاشر من مراسيل ابن شهاب عن نفسه.
(٤) وقد بوّب البخاري على هذا في صحيحه فقال في الباب الأول من كتاب أخبار الآحاد من صحيحه: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام، ثم ساق هذا الحديث في الباب المذكور (٧٢٦٠). وقال القاضي عِياض في إكمال المعلم ٥/ ٥٢٧: وفيه قبول خبر الواحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>