للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكَسْبِه على نفسِه لا بإقرارِ أبيه عليه، ولولا إقرارُه بذلك على نفسِه، لكان أبوه قاذفًا له، وهذا ما لا خلافَ في شيءٍ منه عندَ العلماء، والحمدُ لله.

واختلفوا فيمَن أقرَّ بالزِّنَى بامرأةٍ بعينِها، وجحَدت هي؛ فقال مالكٌ (١): يُقامُ عليه حَدُّ الزِّنَى، وإن طَلَبَت حَدَّ القَذْفِ أُقيم عليه أيضًا. قال: وكذلك لو قالت: زنَى بي فلانٌ، وأنكَر: حُدَّتْ للقذفِ، ثم للزِّنَى. وبهذا قال الطبريُّ.

وقال أبو حنيفة (٢): لا حَدَّ عليه للزنَى، وعليه حَدُّ القَذْفِ، وعليها مثلُ ذلك إن قالت له ذلك.

وقال أبو يوسفَ (٣)، ومحمدٌ، والشافعيُّ: يُحدُّ مَنْ أقرَّ منهما للزِّنَى فقط؛ لأنَّا قد أحَطْنَا عِلْمًا أنه لا يجبُ عليه الحدَّانِ جميعًا؛ لأنَّه إن كان زانيًا، فلا حَدَّ على قاذفِه، فإذا أُقيم عليه حدُّ الزِّنى، لم يُقَمْ عليه حَدُّ القَذْفِ.

وقال الأوزاعيُّ (٤): يُحدُّ للقذفِ، ولا يُحدُّ للزِّنى.

وقال ابنُ أبي ليلى (٥): إذا أقَرَّ هو بالزِّنى، وجَحَدَتْ هي، جُلِدَ وإن كان مُحصَنًا، ولم يُرجَمْ.

وفي هذا الحديثِ أيضًا: رَدُّ ما قُضِي به من الجهالاتِ، قال - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ عَمَلٍ ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ" (٦). وقال عمرُ: رُدُّوا الجهالاتِ إلى السنَّةِ (٧).


(١) النوادر والزّيادات ١٤/ ٢٥١، وانظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٢٩٨.
(٢) مختصر اختلاف العلماء للطَّحاوي ٣/ ٢٩٧.
(٣) انظر قول أبي يوسف ومحمد في مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٢٩٧، وبدائع الصنائع للكاساني ٧/ ٦١.
(٤) مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٢٩٨.
(٥) مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٢٩٠.
(٦) أخرج البخاري في صحيحه (٢٦٩٧) عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ"، وأخرجه مسلم في الصحيح (١٧١٨) بهذا اللفظ وبلفظ آخر هو: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ".
(٧) أخرجه سعيد بن منصور في السنن (١٣٢٦) هكذا مختصرًا، ورواه البيهقي في السنن الصغير (٢٨٢٣) وفي السنن الكبرى ٧/ ٤٤٢، مع قصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>