للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإحصانُ التزويجُ هاهنا؛ لأنَّ ذِكْرَ الإيمانِ قد تقَدَّم (١)، ثم جاءتِ السُّنةُ في الأمَةِ إذا زَنَتْ ولم تُحصِنْ، فقيل: جَلْا دونَ الحدِّ، وقيل: بل الحدُّ. ويكونُ زيادَةَ بيان؛ كنكاح المرأةِ على عمَّتِها وخالتِها، ونحوِ ذلك مما يطولُ ذكرُه. وقد مضى مكرَّرًا هذا المعنى في غيرِ موضِعٍ مِن كِتابِنا هذا، والحمدُ لله.

قال الزُّهْريُّ: مضَتِ السُّنةُ أن يَحُدَّ العبدَ والأمَةَ أهلُوهم في الزِّنى، إلا أن يُرْفَعَ أمرُهم إلى السلطانِ، فليس لأحَدٍ أن يَفْتاتَ عليه (٢).

قال أبو عُمر: روى الثوريُّ، عن عبدِ الأعلى (٣)، عن مَيْسرةَ، عن عليٍّ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "أقيمُوا الحدودَ على ما ملكتْ أيمانُكم" (٤).

واختلَف الفقهاءُ في القولِ بهذا الحديثِ؛ فقال مالكٌ (٥): يحُدُّ المولى عبدَه وأمتَه في الزِّنى، وشربِ الخمرِ، والقذفِ، إذا شهِد عندَه الشهودُ، ولا يقطَعُه في السرقةِ، وإنَّما يقطَعُه الإمامُ. وهو قولُ الليثِ.


(١) وقد ردَّ ابن جرير الطبري في تفسيره ٤/ ٣٢ على هذا الإيراد.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (١٣٦٠٦).
(٣) هو عبد الأعلى بن عامر الثَّعْلبي، وهو ضعيفٌ، ضعَّفه يحيى القطّان وابن مهدي وأحمد وأبو زُرعة وأبو حاتم وسفيان الثوري، والنَّسائي وغيرهم، فهو ضعيف بالرغم من قول ابن حجر في التقريب (٣٧٣١): صدوق يهم! وانظر: أقوال مُضعفيه في تهذيب الكمال ١٦/ ٣٥٤ - ٣٥٥.
(٤) أخرجه عبد الرَّزاق في المصنَّف (١٣٦٠١) عن الثَّوري، به. وأحمد في المسند ٢/ ١٣٨ (٧٣٦) عن وكيع، عن سفيان، به. وأبو داود في السنن (٤٤٧٣) عن محمد بن كثير، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى، به. والنسائي في السنن الكبرى (٧٢٠١) عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام، عن إسحاق الأزرق، عن سفيان الثوري، به، وغيرهم، كلهم من طريق عبد الأعلى وهو ضعيف كما مرَّ. لكن: أخرج مسلم في صحيحه (١٧٠٥) أنَّ عليًا قال: "يا أيها النّاس، أقيموا الحدود على إرقائكم الحد ... فإن أمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - زنت فأمرني أن أجلدها ... " موقوف، وهو الصواب.
(٥) مختصر اختلاف العلماء للطَّحاوي ٣/ ٢٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>