للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بمَشْهورٍ بنقلِ العِلْم، ولا ممّن يُحتَجُّ به إذا خالَفَه مَن هو أثبَتُ منه (١). وقد رُوِي النَّهْيُ عن أكلِ كلِّ ذي نابٍ من السِّباع من طُرُقٍ مُتواتِرةٍ عن أبي هريرة، وأبي ثعلبة، وغيرِهما، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، روَى ذلك جماعةٌ من الأئمّةِ الثِّقاتِ الذين تَسْكُنُ النَّفْسُ إلى ما نقَلُوه، ومُحالٌ أن يُعارَضُوا بحديثِ ابنِ أبي عمّار.


(١) وهذا مخالفٌ لما ذكره قريبًا في الرجل نَفْسه، قال: "وقد وثَّقهُ جماعة من أئمّة أهل الحديث، ورَوَوْا عنه حديثه هذا، واحتجُّوا به" ثم نقل عن عليِّ بن المدينيّ قوله: "ثقةٌ مكّيٌّ"، فقوله هنا مردودٌ بقوله السابق وبتوثيق الأئمّة له، فعبد الرحمن: وهو ابن عبد اللَّه بن أبي عمار المكّي القرشيّ الملقّب بالقس لعبادته، قال عنه أبو زرعة الرازيّ كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٥/ ١٣٤ (٦٢٥)، وتهذيب الكمال ١٧/ ٢٣٠: "مكيٌّ ثقة"، ووثّقه ابن سعد والنسائيُّ وابن حبّان، وقال عنه أبو حاتم الرازي: "صالح الحديث" ولم يتكلَّم فيه أحدٌ، ولأجل ذلك عدَّ الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير ٤/ ١٥٢ كلام المصنِّف هنا بأنه وهمٌ منه، قال: "وأعلّه ابن عبد البرِّ بعبد الرحمن بن أبي عمّار، فوهِمَ، لأنه وثّقه أبو زرعة والنسائيّ ولم يتكلّم فيه أحدٌ، ثم إنه لم ينفرد به" وقال في الفتح ٩/ ٦٥٨: "وقد ورد في حِلِّ الضَّبُع أحاديث لا بأس بها"، وقد نقل الترمذيُّ في العلل الكبير بإثر الحديث (٥٥١) عن البخاري قوله: "هو حديث صحيح"، وقال البيهقيُّ في الكبرى ٥/ ١٨٣: "وحديثُ ابنُ أبي عمّار حديثٌ جيِّدٌ تقوم به الحُجَّة".
قلنا: فالحديث من جهة إسناده لا مطعن فيه، ولكن يبقى الخلاف في المفهوم من أحاديث النهي عن أكل كلِّ ذي ناب من السِّباع، وهي أحاديث صحيحة، فذهب بعضهم إلى أن هذه الأحاديث عامّةٌ، وحديث جابر هذا خاصٌّ فيقدَّم على حديث "كلّ ذي ناب" وعلى هذا جاء قول الخطابي في معالم السنن ٤/ ٢٤٩: "وقد يقوم دليل الخصوص فينزع الشيء من الجملة، وخبرُ جابرٍ خاصٌّ، وخبرُ تحريم السِّباع عامٌّ"، وقال ابن القيِّم في حاشيته على سنن أبي داود ١٠/ ١٩٧: "ولا رَيْبَ أن القوَّة السَّبُعيّة التي في الذئب والأسد والنمر والفهد ليست في الضَّبُع حتى تجب التسوية بينهما في التحريم، ولا تُعَدُّ الضَّبُعُ من السِّباع لغةً ولا عُرفًا"، وخالف في ذلك الطحاويُّ وردَّ حديث جابر هذا بنحو ما قاله المصنِّف هنا، ولكن تبقى أحاديث النهي عن أكل الضَّبُع ضعيفة كما ذكر الترمذيُّ وغيره، بخلاف الأحاديث الواردة في النهي عن أكل كلِّ ذي ناب من السِّباع كما سلف بيان ذلك، واللَّه تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>