للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَذَرَتْ أنْ تحُجَّ وإنَّها ماتت، قال: "أرأيْتَ لو كان عليها دَيْن، أكُنْتَ قَاضِيَه؟ "، قال: نعم، قال: "فاقْضُوا اللهَ، فهو أحَقُّ بالوفَاء" (١).

قالوا: وتَشْبِيهُه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك بالدَّيْنِ دليلٌ على وجُوب الحجِّ على مَن عجَز (٢) ببَدَنِه عن الاستمساكِ (٣) على الدابّةِ، وكان له مالٌ يَسْتَأْجِرُ به. قالوا: وكذلك هو واجِبٌ على مَنْ ماتَ قبلَ أنْ يُؤَدِّيَهُ إذا اسْتَطاعَ ذلك ببَدَنِه أو بمَالِه.

قال أبو عُمر: حُجَّةُ أصْحابِ مالِكٍ في تَشْبِيهِ الحجِّ بالدَّيْنِ أنَّ ذلكَ أيضًا خُصُوصٌ للخَثْعَميَّة، كما خُصَّ أبوها بأنْ يُعْمَل عنه ما لَمْ يجب عليه، وكذلك خُصَّتْ بالعَمَلِ عنه لِتُؤجَرَ ويَلْحَقَه ثوابُ عَمَلِها، بدليلِ القرآنِ في الاستطاعةِ، وبدليلِ الإجمَاع (٤)، أنَّهُ لا يُصَلِّي أحَدٌ عن أحدٍ فرضًا وجَبَ عليه، وقد يعْمَلُ عنه ما لَمْ يَجِبْ عليه، وَيَشْرَكُه في ثَوابِه، هذا مَعْنَى قَوْلهم، وجعَلُوا حَجَّ الخَثْعَميَّة عن أبِيها كالحجِّ بالصِّبيِّ الذي أرِيدَ به التَّبركُ لا الفَرْضُ.

وأدخَلَ بعضُ من يَحتَجُّ لمالِكٍ على أصْحابِ الشَّافِعيِّ، أنْ قال: لو ثَبَتَ تَشْبِيهُ الحجِّ بالدَّيْنِ، لكُنْتَ مُخالِفًا له؛ لأنَّكَ زَعَمْتَ أنَّ من حُجَّ عنه، ثم وجَدَ قُوَّةً، أنَّه لا يُجزِئُه، وليس الدَّيْنُ كذلك؛ لأنَّه إذا أُدِّيَ لَمْ يُحتَجْ أنْ يُؤدَّى ثانِيةً.


(١) أخرجه ابن أبي شَيْبة في المصنَّف (١٤٩٤٧) عن وكيع، عن شعبة، عن أبي بشر (جعفر بن أبي وحشية)، به. وأحمد في المسند ٤/ ٤٢ (٢١٤٠) و ٥/ ٢٨٥ (٣٢٢٤) من طريقين عن شعبة، عن أبي بِشْر، به. والبخاري في صحيحه (٦٦٩٩) عن آدم، عن شُعبة، عن أبي بشر، به.
والنَّسائي في المُجتبى ٥/ ١١٦، وفي السنن الكبرى (٣٥٩٨) عن محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر (غُنْدر)، عن شعبة، عن أبي بشر، به. وابن خُزيمة في صحيحه ٤/ ٣٤٦ (٣٠٤١) عن محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن بشر، به، وغيرهم.
(٢) سقط هذا اللفظ من م.
(٣) في الأصل: "الامتساك"، وهو غير مسموع والمثبت من ش ٤.
(٤) قال ابن حجر في فتح الباري ٤/ ٦٩: نقل الطبري وغيره الإجماع على أنَّ النيابة لا تدخل في الصلاة، ولكن الإشكال في قياس الصلاة على الحج؛ لأنَّ الحج ورد فيه نصٌّ بل نصوص، فلا يسوغ قياسه على أصلٍ آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>