للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانْفَصَلَ مِن ذلك أصحابُ الشَّافِعيِّ بأنَّه إنَّما أمَرَ بالحجِّ عنه لعَدَمِه الاسْتِطاعَةَ ببَدَنِه، فلما صَحَّ كان حينئذٍ قد تَوَجَّهَ إليه فَرْضُ الحجِّ، ولَزِمَه قَضاؤُه عن نَفْسِه لقُدْرَته على ذلك ببَدَنِه، قياسًا (١) على المُعْتَدَّةِ بالشُّهُورِ يَطْرأُ عليها الحَيْضُ فتَعُودُ إليه. وأدْخَلَ بعضُ أصْحابِ الشَّافِعِيِّ أنَّ مالِكًا يُجِيزُ أنْ يحُجَّ الرجلُ عن الميِّتِ إذا أوصَى بذلك، ولا يُجِيزُ الصلاةَ ولا الصِّيامَ أنْ يَعْمَلَها أحَدٌ عن أحَدٍ غيرِه ميِّتٍ ولا حَيٍّ، وفي ذلك دليل على خِلافِ الحجِّ للصَّلاةِ وأعمَالِ البَدَنِ. ولبَعْضِهم على بعضٍ تَشْغِيبٌ يطُولُ ذكرُه ولا يجمُلُ اجْتِلابُه (٢).

وفي هذا الحديثِ أيضًا دليلٌ على جوازِ حَجِّ الرَّجُلِ عن غيرِه، واختَلَفَ الفقهاءُ في ذلك؛ فقال الحسنُ بنُ صالح بنِ حَيٍّ: لا يَحجُّ أحَدٌ عن أحَدٍ، إلَّا عن مَيِّتٍ لَمْ يَحجَّ حَجَّةَ الإسلام. وهو قولُ مالكٍ واللَّيْثِ (٣).

وقال أبو حنيفةَ (٤): للصَّحِيح أنْ يَأمُرَ مَنْ يحُجُّ عنه، ويكونُ ذلك تطَوُّعًا. وقال: وللمريضِ أن يَأمُرَ مَنْ يحُجُّ عنه حَجَّةَ الإسْلام، فإنْ ماتَ كان ذلك مُسْقِطًا لفَرْضِه، وإنْ أوصَى أن يُحجَّ عنه، كان ذلك في ثُلُثِه، وإنْ تطوَّعَ رجلٌ بالحجِّ عنه بعدَ الموتِ أجْزَأه. ولا يجوزُ عندَه أن يُؤاجِرَ أحَدٌ نَفْسَه في الحجِّ. وقال الثوريُّ نحوَ قولِ أبي حنيفة.

أخبرنا إبراهيمُ بنُ شاكِر، قال: حَدَّثَنَا عبدُ الله بنُ عثمانَ، قال: حَدَّثَنَا طاهِرُ بنُ عبدِ العزيز، قال: حَدَّثَنَا عبَّادُ بنُ محمدٍ، قال: حَدَّثَنَا يزيدُ بنُ أبي حكيم، قال: سمِعتُ سفيانَ، قال: إذا ماتَ الرجلُ ولم يحُجَّ، فليُوصِ أن يُحجَّ عنه، فإن لَمْ يُوصِ،


(١) في ش ٤، م: "فأشار"، والمثبت من الأصل.
(٢) في الأصل: "ولا يحمل اختلافه"، والمثبت من بقية النسخ.
(٣) مختصر اختلاف العلماء للطَّحاوي ٢/ ٩٢، والنوادر والزيادات ٢/ ٤٨١.
(٤) مختصر اختلاف العلماء ٢/ ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>