(٢) كأنَّه يُشير هنا إلى النسخ، وليس ثمَّةَ نسخٌ، بدليل حديث عُروة بن الزُّبير عن مروان الحكم الذي مرَّ قريبًا، فقد ورد أنَّهم أنكروا عليه هذا، ولو كانت القراءة بالطور وغيرها منسوخة لما كان للإنكار وجه، واللّه أعلم. وأصرحُ من المصنّف أبو داود السِّجستاني في السنن (٨١٣) بعد أن روى أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ في المغرب بالمرسلات، وبالطور، وبطُولى الطُّوليَيْن، وعن هشام بن عُروة أنَّ أباه كان يقرأ في صلاة المغرب بنحو ما تقرؤون (والعاديات) ونحوها من السّور، قال: هذا يدلُّ على أنَّ ذاك منسوخٌ. وردّ عليه ابن حجر في فتح الباري ٢/ ٢٤٨ - ٢٤٩: فقال: وفي حديث أمِّ الفضل إشعارٌ بأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الصِّحَّة بأطول من المرسلات لكونه كان في حال شدَّة مرضه وهو مظنة التَّخفيف، وهو يردُّ على أبي داود ادِّعاء نسخ التَّطويل؛ لأنه روى عقب حديث زيد بن ثابت من طريق عُروة أنَّه كان يقرأ في المغرب بالقصار. قال: وهذا يدلّ على نسخ حديث زيد، ولم يُبيِّن وجه الدّلالة، وكأنه لما رأى عُروة راوي الخبر عمل بخلافه حمله على أنَّه اطَّلع على ناسخه، ولا يَخْفى بُعد هذا الحمل، وكيف تصحّ دعوى النَّسخ وأمّ الفضل تقول: إنّ آخر صلاة صلّاها بهم قرأ بالمرسلات. (٣) روي هذا الحديث عن عدد من الصَّحابة بغير هذا السِّياق، فمنها: ما أخرجه مالك في الموطأ (٣٥٥) عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا صلّى أحدكم بالناس فليُخفِّف، فإنَّ فيهم الضعيف، والسَّقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطوِّل ما شاء". وأخرجه كذلك البخاري في الصحيح (٧٠٣) من طريق مالك، وأبو داود في السنن (٧٩٤) عن القعنبي، عن مالك، وغيرهما.