للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: قولُ سعيدٍ هذا يحتملُ التَّأويل؛ لأنه ممكنٌ أن يكونَ أراد أن يُثبِتَ المالَ في أمره، كالميراثِ. وفي مالِ المرتدِّ (١) قولٌ ثالثٌ، أنه ما اكتسبَه قبلَ الرِّدَّةِ فلورَثَتِه، وما اكتسبَه بعدَ ردَّته فهو في بيتِ مالِ المسلمين. وقد تقدَّم هذا القولُ عن الثَّوريِّ (٢). وفيه قولٌ رابعٌ؛ روى شعبةُ، عن قتادةَ، أنه كان يقولُ في المرتدِّ: ميراثُه لأهلِ دينه الذي تولى. وروى مطرٌ الورَّاقُ، عن قتادةَ، نحوَه.

والقولُ في أحكام المرتدِّ وتصرُّفِه في ماله، وتوقيفه عنه، وحُكْم امرأتِه وأمَّهاتِ أولادِه واسْتِتابتِه، وغير ذلك من أحكامه، يطولُ ذكرُه، وليس هذا موضعَه، وإنما ذكرنا من ذلك هاهنا ما كان في معنَى لفظِ حديثنا على ما شرَطنا، وقد مضَى حُكْمُ من ارتدَّ في استتابتِه وقتلِه مجوَّدًا في بابِ زيدِ بنِ أسلمَ، عندَ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من بدَّلَ دينَه فاضربوا عنقَه" (٣).

وفي معنى حديثنا هذا ميراثُ الكافرِ من الكافرِ، وقد اختَلَف العلماءُ في توريثِ اليهوديِّ من النَّصرانيِّ ومن المجوسيِّ، على قولين؛ فقالت طائفةٌ: الكفرُ كلُّه ملَّةٌ واحدةٌ، وجائزٌ أن يرثَ الكافرُ الكافرَ، كان على شريعتِه أو لم يكنْ؛ لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَنَع من ميراثِ المسلم الكافرَ، ولم يَمْنَعْ من ميراثِ الكافرِ الكافرَ. وتأوَّلَ من قال هذا القولَ في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَتَوارثُ أهلُ ملَّتين شتَّى". قال: الكفرُ كلُّه ملَّةٌ، والإسلامُ ملَّةٌ. وممن قال هذا القول: الثوريُّ، والشَّافعيُّ، وأبو حنيفةَ، وأصحابُهم، وابنُ شُبرمةَ، وأكثرُ الكوفيِّين، وهو قولُ إبراهيمَ (٤).


(١) في ر ١: "وفي ميراث".
(٢) انظر: الإشراف على مذاهب الفقهاء لابن المنذر ٨/ ٦٥، مسألة (٥١٩٢).
(٣) الحديث التاسع والأربعون لزيد بن أسلم مرسلًا.
(٤) ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني ٤/ ٢٤٧، والمبسوط للسرخسي ٥/ ٤٨، والأم للشافعي ٤/ ١٩٤، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ٤٤٩، وشرح السنة للبغوي ٨/ ٣٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>