للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال يحيى بنُ آدم: الإسلامُ ملَّةٌ، واليهوديُّ، والنَّصرانيُّ، والمجوسيُّ، والصابئ، وعَبَدةُ النِّيران، وعَبَدةُ الأوثان، كلُّ ذلك ملَّةٌ واحدةٌ، يعني: في قولِ أكثرِ أهلِ الكوفة. واختُلِفَ فيه عن الثَّوريِّ. وقال آخرون: لا يجوزُ أن يرثَ اليهوديُّ النَّصرانيَّ، ولا النَّصرانيُّ اليهوديَّ، ولا المجوسيُّ واحدًا منهما؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتوارثُ أهلُ ملَّتين شتَّى". وممن قال هذا: مالكٌ وأصحابُه، وفقهاءُ البصريِّين، وطائفةٌ من أهلِ الحديثِ (١). وهو قولُ ابنِ شهاب، وربيعةَ، والحسن، وشَرِيك، وروايةٌ عن الثوري. قالوا: الكفرُ مللٌ مفترقةٌ، لا يرثُ أهلُ ملَّةٍ أهل ملَّةٍ (٢) أخرى. وقال شريحٌ، وابنُ أبي ليلى (٣): الكفرُ ثلاثُ ملل؛ فاليهودُ ملَّةٌ، والنَّصارى ملَّةٌ، وسائرُ مللِ الكفرِ من المجوسِ وغيرهم ملَّةٌ واحدةٌ، لأنهم لا كتابَ لهم.

قال أبو عُمر: إن تُوفي النَّصرانيُّ الذِّميُّ وترَك ابنَيْنِ؛ أحدُهما حَرْبيٌّ والآخرُ ذِمِّيٌّ، فإن الشافعيَّ قال: المالُ بينَهما نصفَين. وكذلك لو كان الميتُ حربيًّا وترَك ابنَيْن أحدُهما حربيٌّ، والآخرُ ذميٌّ. وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه، وبعضُ أصحابِ مالكٍ: إن كان ذميًّا وَرِثه الذِّميُّ دونَ الحربيِّ، وإن كان حربيًّا وَرِثه الحربيُّ دونَ الذِّميِّ.

قال أبو عُمر: أمّا قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "لا يرثُ المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ" فصحيحٌ عنه ثابتٌ، لا مدفعَ فيه عندَ أحدٍ من أهلِ العلم بالنَّقلِ، وهو حديث ابنِ شهابٍ هذا، عن عليِّ بنِ حُسَين، عن عَمْرِو بنِ عثمانَ، عن أسامةَ بنِ زيد. وكذلك رواه جماعةُ أصحابِ ابنِ شهابٍ عنه، ورواه هُشيمُ بنُ بشيرٍ الواسطيُّ،


(١) انظر: إكمال المُعلم للقاضي عِياض ٥/ ١٦٩، وفي مختصر اختلاف العلماء للطَّحاوي ٤/ ٤٥٠، قال ابن القاسم: لا أحفظه عن مالك، ولكن لا يتوارث أهل ملّةٍ ملة أخرى غيرها.
(٢) قوله: "أهل ملة" لم يرد في الأصل.
(٣) انظر: إكمال المُعْلم للقاضي عياض ٥/ ١٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>