للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال ابنُ حَبيب: ولو أنَّ الدَّوابَّ؛ الحَميرَ والبِغالَ، ذُكِّيَتْ لجُلودِها لَما حَلَّ بَيعُها، ولا الانتفاعُ بها، ولا الصلاةُ فيها، إلّا الفَرَسَ؛ فإنّه لو ذُكِّيَ لحلَّ بَيعُ جِلْدِه، والانتفاعُ به للصلاةِ وغيرِها؛ لاختلافِ الناسِ في تَحرِيمِه. وقال أشهبُ: أكرَهُ بيعَ جلودِ السِّباع وإنْ ذُكِّيَتْ ما لم تُدْبَغْ. قال: وأرَى أنْ يُفسَخَ البيعُ فيها، ويُفسخَ ارْتهانُها، وأرَى أنْ يُؤدَّبَ فاعلُ ذلك، إلّا أنْ يُعْذَرَ بالجهالة؛ لأنَّ النبيَّ عليه السلامُ حرَّم أكلَ كلِّ ذي نابٍ من السِّباع، فالذَّكاةُ فيها ليست بذَكاة. وروَى أشهبُ، عن مالك، في كتابِ الضحايا من "المُستَخرَجة" (١) أنَّ ما لا يُؤكَلُ لحمُه فلا يَطهُرُ جلدُه بالدِّباغ. وهذه المسألةُ في سَماع أشهبَ وابن نافع.

وسُئِلَ مالكٌ: أترى ما دُبغ من جُلُودِ الدَّوابِّ طاهرًا؟ فقال: إنّما يُقالُ هذا في جلودِ الأنعام، فأمّا جُلودُ ما لا يُؤكلُ لحمُه، فكيف يكونُ جلدُه طاهرًا إذا دُبِغ وهو ممّا لا ذَكاةَ فيه ولا يُؤكَلُ لحمُه (٢)؟

قال أبو عُمر: لا أعلمُ أحدًا من الفقهاء قال بما رواه أشهبُ عن مالكٍ في جلدِ ما لا يُؤكَلُ لحمُه، أنّه لا يطهُرُ بالدِّباغ، إلّا أبا ثَوْرٍ إبراهيمَ بنَ خالدٍ الكَلْبيَّ، فإنَّه قال في "كتابِه" في جُلودِ المَيْتَةِ: كلُّ ما كان ممّا لو ذُكِّي حَلَّ أكْلُه، فمات، لم يُتَوَضَّأْ في جِلْدِه، ولم يُنْتفعْ بشيءٍ منه، حتى يُدْبَغَ، فإذا دُبغَ فقد طَهُرَ. قال: وما لا يُؤْكَلُ لو ذُكِّيَ، لم يُتوَضَّأْ في جلدِه وإنْ دُبِغ. قال: وذلك أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-


(١) كما في البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة لأبي الوليد بن رشد ١/ ١٠١.
(٢) البيان والتحصيل ١/ ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>