للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال في جلدِ شاةٍ ماتَتْ: "ألا دَبَغْتم جلدَها فانْتفعْتم به؟ " (١). ونهَى عن جُلُودِ السِّباع. قال: فلمّا رُوِيَ الخبَرانِ أخَذْنا بهما جميعًا؛ لأنَّ الكلامَيْنِ جميعًا لو كانا في مجَلسٍ واحدٍ كان كلامًا صحيحًا، ولم يكنْ فيه تَناقُضٌ.

قال: ولا أعلمُ خلافًا أنّه لا يُتوضَّأُ في جِلْدِ خنزيرٍ وإنْ دُبِغ، فلمّا كان الخنزيرُ حرامًا لا يَحِلُّ أكلُه وإنْ ذُكِّيَ، وكانتِ السِّباعُ لا يَحِلُّ أكلُها وإنْ ذُكِّيَتْ، كان حرامًا أن يُنْتَفَعَ بجلودِها وإنْ دُبِغَتْ، وأنْ يُتوضَّأ فيها، قياسًا على ما أجمَعوا عليه من الخنزير، إذْ كانتِ العِلَّةُ واحدةً.

وذُكِرَ عن هُشَيمٌ، عن منصور، عن الحَسَن، أنَّ عليًّا كَرِه الصلاةَ في جُلودِ البغال (٢).

قال أبو عُمر: ما قاله أبو ثَوْرٍ صحيحٌ في الذَّكاةِ أنَّها لا تَعملُ فيما لا يَحِلُّ أكلُه، إلّا أنَّ قولَه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلُّ إهابٍ دُبِغَ فقد طَهُرَ" (٣)، قد دخَل فيه كلُّ جلدٍ، إلّا أنَّ جمهورَ السَّلَفِ أجمَعوا على أنَّ جِلْدَ الخنزيرِ لا يَدْخُلُ في ذلك، فخرَج


(١) أخرجه مسلم (٣٦٣) و (٣٦٤) من وجوه عديدة عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، عن ميمونة رضي اللَّه عنها، وسيأتي من وجوه عديدة أيضًا مع تخريجها في أثناء شرح الحديث السادس عشر لزيد بن أسلم، عن ابن وعلة المصريّ، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٢) أخرجه الشافعيُّ في الأمّ ٧/ ١٧٥، وابن أبي شيبة في المصنَّف (٣٧٥٧٦)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط ٢/ ٤٣٦ (٩٠٣) ثلاثتهم عن هشيم بن بشير الواسطيّ، به، ولكن فيها "الثعالب" بدلًا من البغال، وهو الصواب.
(٣) أخرجه مالكٌ في الموطأ ١/ ٦٤٣ (١٤٣٧) عن زيد بن أسلم، عن ابن وعلة المصريّ، عن عبد اللَّه بن عبّاس رضي اللَّه عنهما، بلفظ أنه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "إذا دُبِغَ الإهابُ فقد طهُرَ"، وهو الحديث السادس عشر لزيد بن أسلم، وسيأتي مع تمام تخريجه والكلام عليه في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>