للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إياهُنَّ إنّما هو مُطالبةٌ لهُنَّ بالإقرارِ بالشهادةِ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، كما قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي جاءَه بالأمَةِ السَّوْداء، فقال له: يا رسولَ الله، إنَّ علَيَّ رقبةً مُؤمنةً، فإن كنتَ تَرى هذه يا رسولَ الله مؤمنةً أُعتِقُها. فقال لها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتشهَدِين أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ، وأنِّي رسولُ الله؟ "، قالت: نعم، قال: "أعْتِقْها، فإنَّها مؤمنةٌ"، وقد ذكَرْنا هذا الخبرَ فيما تقدَّم من كتابنا هذا (١).

قالوا: فهذا هو الإيمانُ المعروفُ في اللغة وصريح السنة؛ الإقرارُ والتَّصديقُ، وأمّا فرائضُ الأعمال، فلا تُسمَّى إيمانًا، كما لا تُسَمَّى الذُّنُوبُ كُفْرًا. قالوا: ولما لَمْ تكنِ المعصيةُ كُفْرًا، لَمْ تكنِ الطاعةُ إيمانًا، هذا جملةُ ما عوَّلُوا عليه فيما ذهَبوا من ذلك إليه.

وأمّا سائرُ الفقهاءِ من أهل الرَّأي والآثارِ بالحجازِ والعراقِ والشّام ومصر (٢)؛ منهم: مالكُ بنُ أنس، واللَّيثُ بنُ سعد، وسفيانُ الثَّوريُّ، والأوزاعيُّ، والشّافعيُّ، وأحمدُ بنُ حنبل، وإسحاقُ بنُ راهُويَة، وأبو عبيدٍ القاسمُ بنُ سلّام، وداودُ بنُ عليٍّ، وأبو جعفرٍ الطَّبريُّ، ومَن سَلَك سبيلَهم، فقالوا: الإيمانُ قولٌ وعملٌ؛ قولٌ باللِّسان، وهو الإقرارُ، واعْتِقادٌ بالقلب، وعَمَل بالجوارح، مع الإخْلاص بالنية الصّادقة.

قالوا: وكلُّ ما يُطاعُ اللهُ عزَّ وجلَّ به من فَريضةٍ ونافلَة، فهو من الإيمان، والإيمانُ يَزيدُ بالطّاعاتِ ويَنقُصُ بالمعاصي.

وأهلُ الذُّنُوبِ عندَهم مؤمنون غيرُ مُستكْملي الإيمانِ من أجل ذُنوبهم، وإنّما صاروا ناقِصي الإيمانِ بارْتكابهم الكبائرَ، ألا تَرى إلى قولِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:


(١) في الحديث الحادي عشر من أحاديث ابن شهاب عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة من هذا المجلد.
(٢) أقوالهم مبسوطة مسندة في كتب الإيمان: للقاسم بن سلّام، وابن أبي شيبة والعدني وابن مَنْدة وغيرهم، وفي شرح اعتقاد أهل السنة للالكائي، والابانة لابن بطَّة وغير ذلك، كما سيمر في تخريج الأقوال والآثار.

<<  <  ج: ص:  >  >>