للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لا يزني الزاني حين يَزْني وهو مؤمنٌ، ولا يسرِقُ السارِقُ حين يَسْرِقُ وهو مؤمنٌ، ولا يَشْرَبُ الخمرَ حين يَشْرَبُها وهو مؤمن" (١)؛ يريدُ مُستكْمِلَ الإيمان، ولم يُرِدْ به نَفْيَ جميع الإيمان (٢) عن فاعلِ ذلك، بدليل الإجماع على توريثِ الزاني والسارقِ وشاربِ الخمر - إذا صَلَّوا للقبلة، وانتَحَلوا دَعوَةَ الإسلام - من قَراباتهم المؤمنين الذين أَمنوا بتلك - الأحوال، وفي إجماعِهم على ذلك مع إجماعِهم على أنَّ الكافرَ لا يَرِثُ المسلمَ، أوْضَحُ الدَّلائل على صحَّةِ قولنا: إنَّ مُرتكِبَ الذنوبِ ناقِصُ الإيمانِ بفِعْلِه ذلك، وليس بكافرٍ كما زعَمَتِ الخوارجُ في تكْفيرِهم المذنبين.

وقد جعَل اللهُ في ارتكابِ الكبائرِ حُدُودًا، جعَلَها كفارةً وتَطْهيرًا، كما جاء في حديثِ عُبادةَ، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فمَن واقَع منها شيئًا - يعني: من الكبائر - وأُقِيم عليه الحدُّ، فهو له كَفّارةٌ، ومن لا، فأمرُه إلى الله، إن شاء غفَر له، وإن شاء عذَّبَه" (٣). وليس هذا حُكْمَ الكافر؛ لأنَّ اللهَ لا يَغفِرُ أن يُشرَكَ به، ويَغفِرُ ما دونَ ذلك لمَن يشاءُ.

والإيمانُ مراتبُ، بعضُها فوقَ بعض، فليس الناقصُ فيها كالكامل، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: ٢]، أي: إنّما المؤمنُ حقَّ الإيمانِ مَن كانت هذه صفَتَه، ولذلك قال: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: ٤]، ومثلُ هذه الآيةِ في القرآن كثيرٌ وكذلك قولُه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المسلمُ مَن سَلِم المسلمون مِن لسانِه ويَدِه،


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٢٤٧٥) و (٥٥٧٨) وغير ذلك، ومسلم في الصحيح (٥٧) (١٠٠) من حديث أبي هريرة.
(٢) ينظر: فتح الباري لابن حجر ١٠/ ٣٤.
(٣) أخرجه البخاري في أكثر من موضع، منها: (٤٨٩٤) و (٦٧٨٤)، ومسلم (١٧٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>