للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وقال معمرٌ: قال ابنُ شهاب: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤]، قال ابنُ شهاب: فنَرى أنَّ الإسلامَ: الكلمةُ، والإيمانَ: العَمَلُ.

وهذا الذي قالَه ابنُ شهاب، أنَّ الإسلامَ الكلمةُ والإيمانَ العملُ، خِلافُ ما تَقدَّمَ من الآثارِ المرفوعةِ في الإسلام وما بُنِي عليه، على ما مَضَى في هذا الباب؛ لأنَّ هذا يَدُلُّ على أنَّ الإسلامَ العَمَلُ، والإيمانَ الكلمةُ، إلّا أنَّ في تلك الأحاديثِ كلِّها في الإسلام: شهادةَ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ الله. فعلى هذا خرَج كلامُ ابنِ شهاب، واللّهُ أعلمُ (١)، لا (٢) على إقام الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، وصوم رمضانَ، والحجِّ. والمعنى في ذلك كلِّه مُتقاربٌ، إلّا أنَّ الذي عليه جماعةُ أهل الفقهِ والنَّظر، أنَّ الإيمانَ والإسلامَ سواءٌ، بدليل ما ذكَرْنا من كتابِ الله عزَّ وجلَّ قولَه: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: ٣٥، ٣٦].

وعلى القول بأنَّ الإيمانَ هو الإسلامُ، جمهورُ أصحابنا وغيرُهم من الشافعيِّين والمالكيِّين، وهو قولُ داودَ وأصحابِه، وأكثرِ أهل السُّنّةِ والنَّظرِ المتَّبِعِين للسَّلَفِ والأثَر (٣).


(١) قال ابن حجر في فتح الباري ١/ ٨١ - ٨٢: وقد استشكل هذا (أي: قول الزُّهري) بالنَّظر إلى حديث سؤال جبريل، فإنَّ ظاهره يُخالفه، ويمكن أن يكون مراد الزُّهري أنَّ المرء يُحكم في سلامه ويُسمى مسلمًا إذا تلفَّظ بالكلمة: أي: كلمة الشهادة، وأنه لا يُسمى مؤمنًا إلَّا بالعمل، والعمل يشمل عمل القلب والجوارح، وعمل الجوارح يدلُّ على صدقه، وأما الإسلام المذكور في حديث جبريل فهو الشرعي الكامل.
(٢) حرف النفي سقط من م.
(٣) وما أحسن ما ذكره ابن رجب في فتح الباري ١/ ١٢٩ أثناء تقريره لمذاهب العلماء في المسألة: قال كثير من العلماء: إن الإسلام والإيمان تختلف دلالتهما بالإفراد والاقتران، فإن أُفرد أحدهما دخل الآخر فيه، وإن قُرن بينهما كانا شيئين حينئذٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>