للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رُوِي عن أبي جعفرٍ محمدِ بنِ عليِّ بنِ حسينٍ رضي اللهُ عنهم، أنَّه قال: هذا الإيمانُ - ودَوَّر دارةً - وهذا الإسلامُ، ودَوَّر دارَةً خلفَ الدَّار الأُولى، قال: فإذا أذْنَبنا خَرَجْنا من الدَّارر إلى الإسلام، وإذا أحْسَنّا رَجَعْنا إلى الإيمان، فلا نَخْرُجُ من الإسلام إلى الشِّرْك (١). وقال بهذا طوائفُ من عَوامِّ أهلِ الحديث، وهو قولُ الشِّيعَة (٢).

والصَّحيحُ عندَنا ما ذكَرْتُ لك، وهو كلُّه مُتقارِبُ المعنى، متفِقُ الأصل، وربَّما يختَلِفون في التَّسْميَة والألقاب، ولا يُكفِّرُون أحدًا بذنب، إلّا أنّهم اختَلفوا في تاركِ الصلاةِ وهو مُقِرٌّ بها؛ فكَفَّره منهم مَن ذكَرْنا قولَه في باب زيدِ بن أسلَمَ، عن بُسْرِ بنِ مِحْجَن (٣)، وأبى الجمهورُ أن يُكَفِّرُوه إلّا بالجحدِ والإنكارِ الذي هو ضِدُّ التَّصْدِيق والإقرار، على ما ذكَرْنا هناك، والحمدُ للّه.

فهذا ما بينَ أهلِ السُّنَّةِ والجماعَةِ في الإيمان.

وأمّا المعتزلةُ، فالإيمانُ عندَهم: جِمَاعُ الطّاعات (٤)، ومن قصَّرَ منها عن شيء، فهو فاسقٌ لا مُؤمنٌ ولا كافرٌ، وهؤلاء هم المتحَقِّقُونَ بالاعتِزال، أصحابُ المنزلةِ بينَ المَنْزلَتَيْن. ومنهم مَن قال في ذلك بقول الخوارج: المُذْنِبُ كافِرٌ غيرُ


(١) أخرجه إسحاق بن راهوية في المسند ١/ ٣٨٧ (٤١٨) ولفظه: "والإيمان مقصور في الإسلام، فإذا زنى وسرق خرج من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلَّا الكفر بالله عزَّ وجلَّ".
وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (٥٦٣) عن إسحاق بن راهوية بمثل حديثه، والخلّال في السُّنة ٢/ ٦٠٨ (١٠٠٨٣)، والآجُرّي في الشريعة ٢/ ٥٩٢ - ٥٩٣ (٢٢٥) وغيرهم.
(٢) ذكر محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة ٢/ ٥٥٣ قبل حديث (٦٠٧) أنَّ قول الرَّافضة في الإيمان كقول المعتزلة، وهو: أن من خرج من الإيمان فقد خرج من الإسلام، وأن المروي عن أبي جعفر هو قول طائفة منهم.
(٣) الحديث التاسع عشر لزيد بن أسلم عن بسر بن محجن.
(٤) انظر: الكشاف للزَّمخشري ١/ ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>