للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تَركتُ من حَبل إلّا وَقفْتُ عليه، فهل لي من حَجٍّ؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن أدْركَ معنا هذهِ الصلاةَ، وأتى عَرفاتٍ قبل ذلكَ ليلًا أو نهارًا، فقد تمَّ حَجُّه، وقَضَى تَفَثَه" (١).

قال إسماعيلُ القاضي: ظاهرُ هذا الحديثِ إن كان صحيحًا، واللّهُ أعلم، يدلُّ على أنَّ الرجلَ سأله عمّا فاتَه من الوقوفِ بالنَّهارِ بعرفةَ، فأعلَمَه أنَّ مَن وَقَف بعرفةَ ليلًا أو نهارًا فقد تمَّ حَجُّه، فدارَ الأمرُ في الجوابِ على أنَّ الوقوفَ بالنهارِ لا يَضُرُّه إن فاتَه؛ لأنَّه لمّا قيل: "ليلًا أو نهارًا"، فالسائلُ يعلمُ أنّه إذا وقَف بالليل وقد فاتَه الوقوفُ بالنهار، أن ذلك لا يضُرَّه، وأنه قد تمّ حجُّه؛ لأنَّه رأى له بهذا القول أنْ يقفَ بالنّهار دونَ اللّيل.

قال: ولو حُمِل هذا الحديثُ أيضًا على ما يَحتَجُّ به مَن احتَجَّ به، لوجَبَ على من لَمْ يُدرِكِ الصَّلاةَ مع الإمام بجَمْع أن يكونَ حَجُّه فاسدًا، ولكنَّ الكلامَ يُحمَلُ على صِحَّتِه وصِحَّةِ المعنى فيه؛ لأنَّ الرجلَ إنّما سأل وقد أدرَكَ الصَّلاةَ بجَمْع، وقد وَقَف قبلَ ذلك بعرفةَ ليلًا، فأُعلِم أنَّ حَجَّه تامٌّ.

وقال أبو الفرج (٢): معنى قولِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديثِ عُروةَ بنِ مُضَرِّس: "وقد أفاض قبلَ ذلك ليلًا أو نهارًا": أراد، واللّهُ أعلمُ: ليلًا، أو نهارًا وليلًا، فسكَت عن أن يقول: ليلًا، لعِلْمِه بما قدَّم من فِعْلِه؛ لأنَّ مَن وقَف نهارًا فقد أدرَك الليلَ؛ لأنَّه أراد بذِكرِ النهارِ اتِّصالَ الليل به. قال: وقد يَحتَمِلُ أن يكونَ قولُه: "ليلًا


(١) أخرجه أحمد في المسند (١٨٣٠٠) عن يحيى، به، وأخرجه كذلك: الترمذي وأبو داود والنسائي في المجتبى والكبرى، كما تقدم؛ لأنهم رووا حديث داود مقرونًا بزكريا وإسماعيل.
(٢) هو: أبو الفرج عمرو بن محمد الليثي، تفقَّه بإسماعيل بن إسحاق القاضي، وله كتاب الحاوي في الفقه، أصله من البصرة، ونشأ ببغداد، توفي سنة ٣٣٠ أو ٣٣١ هـ. انظر: الديباج المذهب لابن فرحون ٢١٥ - ٢١٦، وطبقات الفقهاء للشيرازي، ص ١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>