للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرضًا؛ لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إنّما قال فيه: "مَن صلَّى صلاتَنا هذه، وكان قد أتَى قبلَ ذلك عرفةَ من ليل أو نهار، فقد قَضَى حَجَّه، وتَمَّ تَفَثُه" (١). فذكَرَ الصلاةَ بالمُزْدَلفة، وكلٌّ قد أجمع أنه لو بات بها ووَقَف، ونام عن الصَّلاةِ فلم يُصلِّها مع الإمام حتى فاتَتْه، أنَّ حَجَّه تامٌّ، فلما كان حُضورُ الصَّلاةِ مع الإمام المذكورُ في هذا الباب ليس من صُلبِ الحجِّ، كان الوقوفُ بالموطنِ الذي تكونُ فيه الصلاةُ أحْرَى أن يكونَ كذلك. قالوا: فلم يَتحَقَّقْ بهذا الحديثِ ذلك الفرضُ إلّا بعَرَفةَ خاصّة.

قالوا: فإنِ احْتَجَّ محتَجٌّ بقولِ الله عزَّ وجلَّ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٨]، وقال: قد ذكَر اللهُ المشعرَ الحرامَ كما ذكَر عرفات، وذكَر ذلك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في سُنَّتِه، فحكْمُهما واحدٌ لا يُجزِئُ الحجُّ إلّا بإصابَتِهما.

قيل له: ليس في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} دليلٌ على أنَّ ذلك على الوُجوب في الوقوف، وكلٌّ قد أجمعَ أنّه لو وَقَف بالمزدلفةِ ولم يذكُرِ الله، أنَّ حَجَّه تامٌّ (٢)، فإذا لم يكنِ الذِّكْرُ المأمورُ به من صُلْبِ الحجِّ، فشُهودُ الموطنِ أوْلى بألّا يكونَ كذلك. قال: وقد ذَكَر اللهُ في كتابه أشياءَ من الحجِّ لم يُرِدْ بذِكْرِها إيجابَها. هذا ما احتجَّ به أبو جعفرٍ الأزْدِيُّ (٣)، وذكَر حديثَ عبدِ الرحمن بنِ يَعْمَرَ الدِّيليِّ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "الحجُّ عَرَفاتٌ"، وفي بعضِ ألفاظِ هذا الحديث: "الحجُّ يومُ عرفةَ، فمَن أدرَكَ جَمْعًا قبلَ صلاةِ الفجرِ فقد أدرَكَ" (٤).


(١) هكذا في النسخ، والمحفوظ في الحديث، كما تقدّم: "فقد تمّ حجه، وقضى تفثه".
(٢) انظر: شرح معاني الآثار ٢/ ٢٠٨.
(٣) أي: الطَّحاوي، وهو في شرح معاني الآثار كما مرَّ.
(٤) سيأتي تخريجه في موضعه بعد حديثين إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>