للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعور، والأعْضَب (١)، والأبتر (٢)، وكذلك إذا رَأوُا الغُرابَ أو غيرَه من الطيرِ يتَفَلَّى أو يَنْتِفُ، ولإيمانِ العربِ بالطِّيَرَةِ عقَدُوا الرَّتائِمَ (٣)، واستَعمَلوا القِداحَ بالآمرِ والناهي (٤) والمتَرَبِّص، وهي غيرُ قِداح الأيْسار، وكانوا يَشْتقُّونَ الأسماءَ الكريهةَ ممّا يَكرَهون، وربّما قَلَبُوا ذلك إلى الفَأْلِ الحَسَنِ فرارًا من الطِّيَرَة، ولذلك سَمَّوا اللديغَ سَليمًا، والقَفْرَ مَفازَةً، وكَنَّوُا الأعمى أبا البَصير، ونحوَ هذا، فمن تَطيَّرَ جعَل الغُرابَ من الاغترابِ والغُرْبة، وجعلَ غُصنَ البانِ من البَيْنُونَة، والحمامَ من الحِمَام ومن الحَميم ومن الحُمَّى، وربّما جعَلوا الحَبلَ من الوِصال، والهُدْهُدَ من الهُدَى، وغُصْنَ البانِ من بَيانِ الطريق، والعُقابَ من عُقْبَى خير، ومثلُ هذا كثيرٌ عنهم، إذا غلَبَ عليهم الإشفاقُ تطَيَّروا وتشاءَمُوا، وإذا غَلَب عليهم الرَّجاءُ والسُّرورُ تفاءَلوا، وذلك مُستعمَلٌ عندَهم فيما يَرَوْنَ من الأشخاص، ويَسمَعُون من الكلام، فقال لهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا طِيَرةَ ولا شُؤْمَ"، فعرَّفَهم أنَّ ذلك إنّما هو شيءٌ من طريقِ الاتفاق، ليَرفَعَ عن المتوقِّع ما يتوقَّعُه من ذلك كلِّه، ويُعْلِمَه أنَّ ذلك ليس ينالُه منه إلّا ما كُتِب له.

وأمّا قولُه في هذا الحديث: "الشُّؤْمُ في الدّارِ، والمرأةِ، والفَرَس"، فهو عندَنا على غيرِ ظاهرِه، وسنقولُ فيه بحَولِ الله وعَوْنِه لا شَريكَ له، وكان ابنُ مسعودٍ


(١) مأخوذٌ من العَضْب وهو القطع كما قال الجوهري في الصحاح ١/ ٤٧٦، وكبش أعضب: أي: مكسور القرن، ولذلك قيل للشاة المكسورة القرن: عَضْباء.
(٢) من البتر وهو القطع، ومن الحيوان: الأبتر: مقطوع الذنب، الصحاح ٢/ ٥٨٤.
(٣) قال الجوهري في الصحاح ٥/ ١٩٢٧: الرتيمة: خيطٌ يُشدُّ في الأصبع لتُستذكر به الحاجة.
(٤) قال البغوي في شرح السُّنة: كانت العرب في الجاهلية تتخذها (الأزلام) مكتوب عليها: الأمر والنهي، وتضعها في وعاء، وإذا أراد واحدٌ سفرًا أو حاجة أخرجَ منها زلمًا، فإن خرج الأمر مضى، وإنْ خرج النهي: كف وانصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>