للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبه عن سُفيان، عن الأعمشِ، عن أبي وائل، عن عَمرو بن شُرحبيل، قال: من فِقْهِ الرَّجُلِ، قصرُ الخُطبةِ، وطُولُ الصَّلاةِ (١).

وأجمعَ الفُقهاءُ جميعًا على أنَّ الإمام لو صلَّى بعرفةَ يوم عرفةَ بغيرِ خُطبةٍ، أنَّ صلاتهُ جائزةٌ، وأنَّهُ يَقصرُ الصَّلاة إذا كان مُسافِرًا، وإن لم يخطُب.

وأجمعُوا أنَّ الخُطبة قبل الصَّلاةِ يوم عرفة. وأنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ فيها فأسرَّ القِراءةَ، وإنَّما هي ظُهرٌ، ولكِنَّها قُصِرت من أجلِ السَّفرِ، واللهُ أعلمُ.

وأمّا قولُهُ في هذا الحديثِ: "وعجِّلِ الصَّلاةَ"، فكذلك رواهُ يحيى وابنُ القاسم وابنُ وهبٍ ومُطرِّفٌ، وقال فيه القعنبيُّ وأشهبُ: "إن كُنتَ تُريدُ الوُقُوف". وهُو عِندي غلطٌ، واللهُ أعلمُ؛ لأنَّ أكثر الرُّواةِ عن مالكٍ على خِلافِهِ. وتعجيلُ الصَّلاةِ بعرفةَ، سُنّةٌ ماضيةٌ على ما قدَّمنا ذِكرهُ، وقد يحتمِلُ ما قالهُ القعنبيُّ أيضًا، لأنَّ تعجيل الوُقُوفِ بعد تعجيلِ الصَّلاةِ والفراغِ منها سُنّةٌ أيضًا.

وقد ذكَرْنا أحكامَ الصَّلاةِ بعرفةَ، وذكرنا ما أجمعُوا عليه منها، وما اختلفُوا فيه، والحمدُ لله.

وأمّا الوُقُوفُ بعرفةَ، فأجمع العُلماءُ في كلِّ عصر وبِكلِّ مِصر - فيما علِمتُ - أنَّهُ فرضٌ لا ينُوبُ عنهُ شيءٌ، وأنَّهُ من فاتهُ الوُقُوفُ بعرفةَ في وقتِهِ الذي لا بُدَّ منهُ، فلا حجَّ لهُ، واختلفُوا في تعيينِ ذلك الوقتِ وحصرِهِ، بعد إجماعِهِم على أنَّ من وقفَ بعرفةَ قبل الزَّوالِ يوم عرفةَ، فهُو في حُكم من لم يقف (٢).

فقال مالكٌ وأصحابُهُ: اللَّيلُ هُو المُفترضُ، والوُقُوفُ بعد الزَّوالِ حتّى يجمع بين اللَّيلِ والنَّهارِ سُنَّةٌ، دلَّ على ما أضفنا إليه من ذلك مذهبُهُ، وجوابُهُ في


(١) أخرجه الطبراني في الكبير ٩/ ٢٩٨ (٩٤٩٣)، والبيهقي في الكبرى ٣/ ٢٠٨ (٥٥٥٤)، وفي الشعب ٤/ ٢٥٥ (٤٩٨٨) من طريق ابن عيينة بهذا الإسناد، عن عمرو بن شرحبيل، عن ابن مسعود قوله.
(٢) الاستذكار ٤/ ٢٨١ (ط. العلمية).

<<  <  ج: ص:  >  >>