للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورُوي عن ابن عبّاسٍ وابنِ مسعُودٍ ما يُخالِفُ قولَ عليٍّ هذا، ويُوافِقُ قولَهُ الأوَّل؛ وذلك أنَّهُما قالا: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أمرَ إبراهيمَ عليه السَّلامُ أن يَبْنيَ هُو وإسماعيلُ البيتَ، فقاما عليهما السَّلامُ وأخذا المَعاوِلَ، لا يَدْريانِ أين البيتُ، فبعثَ الله ريحًا يُقالُ لهُ: الخَجُوجُ (١) لها جناحانِ ورأسٌ، في صُور حيَّة، فكَشَفت لإبراهيمَ وإسماعيلَ ما حَوْلَ الكَعْبةِ من (٢) أساسِ البيتِ الأوَّل (٣).

وهذا يُوافِقُ ما رواهُ سعيدُ بن المُسيِّب عن عليّ، وهُو أوْلى، واللهُ أعلمُ.

وأمّا بُنيانُ قُريشٍ البيتَ: فذكرَ عبدُ الرَّزّاق (٤)، عن مَعْمر، عن عبدِ الله بن عُثمان بن خُثيم، عن أبي الطُّفيل، قال: كانتِ الكَعْبةُ في الجاهِليَّةِ مَبْنيَّةً بالرَّضْم (٥) ليس فيها مَدَرٌ، وكانت قدرَ ما تَقْتحِمُها العَناقُ (٦)، وكانت ثيابُها تُوضعُ عليها، تُسدَلُ سَدْلًا عليها، وكان الرُّكنُ الأسودُ موضُوعًا على سُورِها باديًا، وكانت ذاتَ رُكنينِ، هيئةَ هذه الحَلْقة (٧)، فأقبَلَت سَفِينة من الرُّوم، حتّى إذا كانوا قريبًا من جُدَّةَ، انْكَسرتِ السَّفينةُ، فخَرَجت قُريشٌ ليأخُذُوا خَشَبَها، فوجَدُوا رُوميًّا عِنْدها، فأخذُوا الخشَبَ، فأعطاهُم إيّاها، وكانتِ السَّفينةُ تُريدُ الحَبَشة. وكان الرُّوميُّ الذي في السَّفينةِ نجّارًا، فقدِمُوا بالخَشَب، وقدِمُوا بالرُّوميِّ،


(١) رِيحٌ خَجُوجٌ، أي: شدِيدةُ المُرُورِ في غيرِ استواء، وهي المُلْتَوِيَةُ في هُبُوبها. انظر: تاج العروس ٥/ ٥٠٣.
(٢) في م: "عن".
(٣) انظر: البداية والنهاية ١/ ١٦٥.
(٤) المصنَّف ٥/ ١٠٢ (٩١٠٦).
(٥) الرَّضْمُ: صخورٌ عظام بعضها على بعض. انظر: المعجم الوسيط ١/ ٣٥١.
(٦) عند عبد الرَّزّاق زاد هنا: "وكانت غير مسقوفة".
(٧) لم يرد في الأصول صورة هذه الحلقة، وقد رسمها الحافظ ابن حجر في الفتح ٣/ ٤٤١ على هيئة حرف: " D" معكوسًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>