للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالت قُريشٌ: نَبْني بهذا الخَشَبِ بيتَ ربِّنا، فلمّا أرادُوا هَدْمَهُ، إذا هُم بحيَّةٍ على سُورِ البيتِ مِثلَ قِطعةِ الجائزِ (١) سوداءِ الظَّهرِ، بيضاءِ البطنِ، فجَعَلَتْ كلَّما أتَى أحدٌ إلى البيتِ ليَهْدِمَهُ، أو يأخُذَ من أحْجارِهِ، سَعَت إليه فاتِحةً فاها، فاجتَمَعت قُريش عندَ المقام، فعَجُّوا إلى الله، فقالوا: ربَّنا لم تَرَعْ، أرَدْنا تَشْريفَ بيتِكَ وتزيينَه، فإن كُنتَ ترضى بذلكَ، وإلّا فما بَدا لك فافْعَل. فسَمِعُوا خَواتًا (٢) في السَّماءِ، فإذا هُمْ بطائرٍ أعظمَ من النَّسرِ، أسودِ الظَّهرِ أبيض البطنِ والرِّجلينِ، فغرَزَ مخالِبهُ في قفا الحيَّةِ، ثُمَّ انطلقَ بها تجُرُّ ذَنَبها، أعظمَ من كذا وكذا، حتّى انطلقَ بها نحوَ أجْياد، فهَدَمتها قُريشٌ، وجعلُوا يبنُونها بحِجارةِ الوادي، تحمِلُها قُريشٌ على رِقابِها، فرَفُعُوها في السَّماءِ عِشرين ذِراعًا، فبينا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يحمِلُ حِجارةً من أجيادٍ وعليه نَمِرةٌ (٣) فضاقَتْ عليه النَّمِرةُ، فذهب يَضَعُ النَّمِرةَ على عاتِقِهِ، فبَدَت (٤) عورتُهُ من صِغَرِ النَّمِرةِ، فنُودي: يا محمدُ، خمِّرْ عَوْرتَكَ، فلم يُر عُرْيانًا بعد ذلك. وكان بين بُنيانِ الكعبةِ وبينَ ما أنزلَ اللهُ عليه: خمسُ سِنينَ، وبين مُخْرَجِهِ وبُنْيانِها: خمسَ عشْرةَ سنةً. فلمّا كان جيشُ الحُصينِ بن نُميرٍ، فذَكَر حريقَها في زمنِ ابن الزُّبيرِ، فقال ابنُ الزُّبيرِ: إنَّ عائشةَ أخبرتني، أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا حَداثةُ قومِكِ بالكُفر، لهدمتُ الكعبةَ، فإنَّهُم تَرَكُوا منها


(١) الجائز: الخشبة المُعترضة بين الحائطين، وهي التي توضع عليها أطراف الخشب في سقف البيت. انظر: تاج العروس (جوز).
(٢) في ر ١: "حسًا" وفي ض: "جوابًا". والخوات: الصوت، وخص أبو حنيفة به صوت الرَّعد والسيل، وأنشد لابن هرمة: "ولا حس إلّا خَواتُ السيولِ". وخوات الطَّير: صوتها. انظر: لسان العرب ٢/ ٣٢.
(٣) النمرة: بردة من صوف تلبسها الأعراب. انظر: مختار الصحاح (نمر).
(٤) في ض، م: "فترى".

<<  <  ج: ص:  >  >>