للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تِلكَ الجَفْنةِ، فسُمُّوا: لَعَقةَ الدَّم. فمكثت قُريشٌ على ذلك أربعَ ليالٍ أو خمسًا، ثُمَّ إنَّهُمُ اجتمعُوا في المسجِدِ فتَشاورُوا وتناصفُوا، فزعمَ بعضُ أهلِ الرِّوايةِ: أنَّ أبا أُميَّةَ بن المُغيرةِ بن عبدِ الله بن عُمر بن مخزُوم، كان يومَئذٍ أسنَّ قُريشٍ كلِّها، فقال: يا معشرَ قُريش، اجعلُوا بينكُم فيما تَخْتلِفُون فيه، أوَّلَ من يدخُلُ عليكُم من بابِ هذا المسجِدِ، يقضي بينكُم فيه. ففعلُوا، فكان أوَّلَ داخِلٍ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فلمّا رأوهُ قالوا: هذا الأمينُ رَضِينا، هذا محمدٌ. فلمّا انتهى إليهِم، أخبرُوهُ الخبر، فقال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هلُمَّ إليَّ ثوبًا". فأُتي بهِ، فأخَذَ الرُّكنَ فوَضَعهُ فيه بيدِهِ، ثُمَّ قال: "لتأخُذْ كلُّ قَبِيلةٍ بناحيةٍ من الثَّوبِ، ثُمَّ ارفعُوهُ جميعًا"، ففعلُوا، حتّى إذا بلغُوا به مَوْضِعَهُ، وضعَهُ هُو بيدِهِ، ثُمَّ بُنِيَ عليه.

قال: وكانت قُريشٌ تُسمِّي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قبلَ أن يَنْزِلَ عليه الوحيُ: الأمينَ. قال: وكانتِ الكعبةُ على عَهدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثمانيَ عَشْرةَ ذِراعًا، كانت تُكْسَى القَبَاطيَّ (١)، ثُمَّ كُسيتِ البُرُود (٢)، وأوَّلُ من كساها الدِّيباج (٣): الحجّاجُ بن يوسُف.

حدَّثنا عبدُ الوارِثِ بن سُفيان، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن زُهير، قال (٤): حدَّثنا مُوسى بن إسماعيل، قال: حدَّثنا ثابِتُ بن يزيد أبو زيد، قال: حدَّثنا هِلالُ بن خبّاب، عن مُجاهِد، عن مولاهُ، أنَّهُ حدَّثهُ: أنَّهُ كان فيمَنْ بَنَى الكعبةَ في الجاهِليّة. قال: ولي حَجَرٌ، أنا نحتُّهُ بيديَّ، أعبُدُهُ من دُونِ الله،


(١) القباطي: ثيابٌ بيضٌ رِقاقٌ من كتّان، تتَّخذ بمصر. انظر: الصحاح للجوهري.
(٢) البرود من الثياب: ما لم يكن رقيقًا ولا لينًا. المعجم الوسيط ١/ ٤٨.
(٣) الدِّيباج: ضربٌ من الثياب، سداه ولحمته حرير. المعجم الوسيط ١/ ٢٦٨.
(٤) أخبار المكيين، له، ص ٢٥٥ - ٢٥٦ (١٦٨)، وأخرجه أحمد في مسنده ٢٤/ ٢٦١ - ٢٦٢ (١٥٥٠٤) من طريق ثابت، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>