للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحدِّثُ، أنَّهُ حضرَ ذلك، قال: أدخلَ ابنُ الزُّبيرِ على عائشةَ سبعينَ رَجُلًا من خيارِ قُريشٍ، فأخبرتْهُم أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "لولا حَداثةُ (١) عهدِ قومِكِ بالشِّركِ، لبنيتُ البيتَ على قواعِدِ إسماعيلَ وإبراهيمَ، وتَدْرين لِمَ قَصَّرُوا عن قواعِدِ إبراهيم (٢)؟ "، قالت: قلتُ: لا. قال: "قصَّرت بهِم النَّفقةُ". قال: وكانتِ الكعبةُ قد وَهَت من حريقِ أهلِ الشّام. قال: فهَدَمَها وأنا يومئذٍ بمكَّةَ، فكشَفَ عن رُبْضِ الحِجْرِ، آخِذٌ بعضُهُ ببعض، فتركهُ مكشُوفًا ثمانيةَ أيَّام، يُتَشهَّدُ (٣) عليه. قال: فرأيتُ رُبْضهُ ذلك كخَلِفِ الإبِلِ خمسَ حِجارات: وجهٌ حَجَرٌ، ووجَهٌ حَجَرٌ، ووجَهٌ حَجَرانِ. قال: ورأيتُ الرَّجُل يأخُذُ العَتَلَةَ فيهُزُّها من ناحيةِ الرُّكنِ الآخر، فيهتزُّ الرُّكنُ الآخرُ. قال: ثُمَّ بناهُ على ذلك الرُّبْضِ، وصنعَ لهُ بابينِ لاصِقَينِ بالأرضِ، شرقيًّا وغربيًّا، فلمّا قُتِل ابنُ الزُّبيرِ، هَدَمهُ الحجّاجُ من ناحيةِ الحِجْرِ، ثُمَّ أعادهُ على ما كان عليه. قال: فكتَبَ إليه عبدُ الملكِ: ودِدتُ أنَّكَ تركتَ ابنَ الزُّبيرِ وما تَحمَّلَ. قال مَرْثدٌ: وسمِعتُ ابنَ عبّاسٍ يقولُ: لو وَلِيتُ منهُ ما كان ولي ابنُ الزُّبيرِ، لأدخلتُ الحِجْرَ كلَّهُ في البيتِ. وقال ابنُ عبّاس: فلِمَ يُطافُ بالحِجْرِ، إن لم يكُن من البيتِ؟

ورَوَينا أنَّ الرَّشِيدَ هارُونَ ذكرَ لمالكِ بن أنس: أنَّهُ يُريدُ هَدْمَ ما بَنَى الحجّاجُ من الكَعْبةِ، وأن يرُدَّهُ إلى بُنيانِ ابن الزُّبيرِ، لِمَا جاء في ذلك عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وامْتَثلهُ ابنُ الزُّبير، فقال لهُ مالكٌ: ناشَدْتُك اللهَ يا أميرَ المُؤمِنينَ أن تجعلَ هذا البيتَ مَلْعبةً للمُلُوكِ، لا يشاءُ أحدٌ منهُم إلّا نقضَ البيتَ وبناهُ، فتذهبُ هَيْبتُهُ من صُدُورِ النّاس.


(١) في ر ١: "حدثان".
(٢) في ر ١: "قواعد إسماعيل وإبراهيم".
(٣) كذا في النسخ، وفي مصدر التخريج: "ليُشهِدَ".

<<  <  ج: ص:  >  >>