للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: في حديثِ مالك، عن ابن شِهاب، عن سالم المَذْكُورِ، في هذا البابِ دَليلٌ على أنَّ الحِجْرَ من البيتِ، وقد أوضحنا ذلك بما ذكرنا من الآثارِ. وإذا صحَّ أنَّ الحِجْرَ من البيتِ، فواجِبٌ إدخالُهُ في الطَّوافِ، وأجمعَ العُلماءُ: أنَّ كلَّ من طافَ بالبيتِ، لَزِمهُ أن يُدخِل الحِجْرَ في طَوافِهِ، وفي إجْماعِهِم على ذلك ما يَكْفي.

واخْتَلفُوا فيمن لم يَطُف من وراءِ الحِجْرِ، ولم يُدخِلِ الحِجْرَ في طوافِهِ، فالذي عَليهِ جُمهُورُ أهْلِ العِلم: أنَّ ذلك لا يُجزِئُ، وأنَّ فاعِل ذلك في حُكم من لم يَطُف، فمن لم يَطُفِ الطَّواف الواجِبَ كامِلًا، رجَعَ من بلاور حتّى يَطُوف ويُكْمِلَهُ، فهُو فَرْضٌ مُجتمعٌ عليه.

ومِمَّن قال ما ذكرنا في الطَّوافِ وراء الحِجْرِ: مالكٌ، والشّافِعيُّ، وأحمدُ، وأبو ثَوْرٍ، وهُو قولُ عَطاءٍ، وابنِ عبّاس (١).

ورَوَينا عن ابن عبّاس: أنَّهُ كان يقولُ في هذه المَسْألةِ: الحِجْرُ من البَيْتِ، ويتلُو قولَ الله عزَّ وجلَّ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] ويقولُ: طافَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من وَراءِ الحِجْر (٢).

وقال مالكٌ والشّافِعيُّ، ومن قال بقولهِم: من لم يُدْخِلِ الحِجْرَ في طَوافِهِ، ولم يَطُف من وَرائهِ في شَوْطٍ أو شَوْطينِ أو أكثرَ، ألْغَى ذلك، وبنى على ما كانَ طافَ طوافًا كامِلًا قبلَ أن يَسْلُك في الحِجْرِ، ولا يُعتدُّ بما سلكَ في الحِجْر (٣).


(١) الاستذكار ٤/ ١٨٨ (ط. العلمية)، وانظر قول الشافعي في الأم ٢/ ١٩٣، وقول عطاء وابن عبّاس في مصنف عبد الرَّزّاق ٥/ ٥٧ (٨٩٨٤، ٨٩٨٥).
(٢) أخرجه الشافعي في مسنده، ص ١٢٩، وعبد الرَّزّاق في المصنَّف ٥/ ١٢٧ (٩١٤٩)، وابن خزيمة في صحيحه ٤/ ٢٩٠ (٢٧٤٠)، والطبراني في الكبير ١١/ ٤٤ (١٠٩٨٨)، والبيهقي في الكبرى ٥/ ٩٠، من طريق طاووس، عن ابن عبّاس، به. وإسناده حسن. وانظر: المسند الجامع ٩/ ٦٩ (٦٢٨٩).
(٣) الأم ٢/ ١٩٣، والاستذكار ٤/ ١٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>