للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو عُمر: قولُه في هذا الحديثِ: "يُصلِّي بأصحابِه" يُصحِّحُ روايةَ من روَى أنَّه كان كبَّر ثم أشار إليهم أنِ امكُثُوا. وفي روايةِ الزُّهريِّ في هذا الحديثِ أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كبَّر حينَ انصرَف بعدَ غُسلِه. فواجبٌ أنْ تُقبَلَ هذه الزِّيادةُ أيضًا؛ لأنَّها شهادةٌ مُنفرِدَةٌ أدَّاها ثقةٌ، فوجَب العملُ بها، هذا ما يُوجِبُه الحكمُ في ترتيبِ الآثارِ وتهذيبِها. إلَّا أنَّ هاهُنا اعتراضاتٍ تُعترضُ على مذهبِنا في هذا البابِ، قد نزَع غيرُنا بها، ونحنُ ذاكرُوا ما يَجبُ به العملُ في هذا الحديثِ على مذهبِ مالكٍ وغيرِه من العلماءِ بعونِ اللَّه إن شاء اللَّه.

أمَّا مالكٌ رحِمه اللَّهُ فإنَّه أدخَل هذا الحديثَ في "مُوطَّئِه" في بابِ إعادةِ الجُنُبِ، وغُسلِه إذا صلَّى ولم يَذْكُرْ -يعني حالَه- أنَّه كان جُنبًا حينَ صلَّى. والذي يَجيءُ عندِي على مذهبِ مالكٍ من القولِ في هذا الحديثِ أنَّه لم يُرِدْ به رحِمه اللَّه إلَّا الإعلامَ أنَّ الجُنُبَ إذا صلَّى ناسيًا قبلَ أنْ يَغتسِلَ ثم ذكَر، كان عليه أنْ يَغتسلَ ويُعيدَ ما صلَّى وهو جُنبٌ، وأنَّ نسيانَه لجنابتِه لا يُسقِطُ عنه الإعادةَ وإنْ خرَج الوقْتُ؛ لأنَّه غيرُ مُتطهِّرٍ، واللَّهُ لا يَقبلُ صلاةً بغيرِ طُهورٍ، لا مِن ناسٍ ولا مِن مُتعمِّدٍ. وهذا أصلٌ مُجتمع عليه في الصلاةِ أنَّ النِّسيانَ لا يُسقِطُ فرضَها الواجبَ فيها. ثم أردَف مالكٌ حديثَه المذكورَ في هذا البابِ، بفعلِ عمرَ بنِ الخطّابِ أنَّه صلَّى بالناسِ وهو جُنبٌ ناسيًا، ثم ذكَر بعدَ أنْ صلَّى، فاغتسلَ وأعادَ صلاتَه، ولم يُعِدْ أحدٌ ممَّن خلفَه (١). فمِنْ فعلِ عمرَ رضي اللَّه عنه أخَذ مالكٌ


(١) أخرجه مالك في الموطّأ ١/ ٩٤ (١٢٤) عن يحيى بن سعيد الأنصاريّ، عن سليمان بن يسار، عن عمر بن الخطاب، به. وهو منقطع، سليمان بن يسار لم يسمع من عمر بن الخطاب فيما ذكر أبو زرعة الرازي كما في المراسيل لابن أبي حاتم، ص ٨٢ (٢٩٥)، وسيأتي المصنِّف على ذكره مرةً أخرى في أثناء هذا الشرح.
ويروى عن عمر رضي اللَّه عنه من وجوه أخرى، ينظر: المصنف لعبد الرزاق ٢/ ٣٤٩ (٣٦٥٦)، ولابن أبي شيبة (٤٦٠٣) و (٤٦٠٤)، وسنن الدارقطني ٢/ ١٨٧ (١٣٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>