للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مذهبَه في القوم يُصلُّونَ خلفَ الإمام الجُنُبِ، لا منَ الحديثِ المذكورِ، واللَّهُ أعلمُ. وسنَذكُرُ وجْهَ ذلك فيما بعدُ من هذا البابِ إن شاء اللَّه.

وأمَّا الشافعيُّ (١) فإنَّه احتجَّ بهذا الحديثِ في جوازِ صلاةِ القوم خلفَ الإمام الجُنبِ، وجعَله دليلًا على صحَّةِ ذلك، وأردفَه بفعلِ عمرَ في جماعةِ الصحابةِ مِن غيرِ نكيرٍ، وبما جاءَ عن عليٍّ رضي اللَّه عنه في الإمام يُصلِّي بالقوم وهو على غيرِ وُضوءٍ، أنَّه يُعيدُ ولا يُعيدونَ (٢).

ثم قال الشافعيُّ (٣): وهذا هو المفهومُ مِن مذاهبِ الإسلام والسُّننِ؛ لأنَّ الناسَ إنَّما كُلِّفوا في غيرِهم الأغلبَ ممَّا يظهرُ لهم؛ أنَّ مُسلمًا لا يُصلِّي على غيرِ طهارةٍ (٤)، ولم يُكلَّفوا علمَ ما يَغِيبُ عنهم.

قال أبو عُمر: أمَّا قولُ الشافعيِّ: إنَّ الناسَ إنَّما كُلِّفوا في غيرِهم الأغلبَ ممَّا يَظهرُ لهم، ولم يُكلَّفوا علمَ ما غابَ عنهم من حالِ إمامِهم، فقولٌ صحيحٌ، إلَّا أنَّ استدلالَه بحديثِ هذا البابِ على جوازِ صلاةِ القوم خلفَ الإمام الجنُبِ هو خارجٌ على مذهبِه في أحدِ قوليْه الذي يُجيزُ فيه إحرامَ المأموم قبلَ إمامِه، وليس ذلك على مذهبِ مالكٍ؛ لأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذْ كبَّر وهو جُنبٌ، ثم ذكَرَ حالَه فأشارَ إلى أصحابِه أنِ امكُثُوا، وانصرفَ فاغتسَل، لا يخلُو أمرُه إذْ رجَع مِن أحدِ ثلاثةِ وُجُوهٍ:

إمَّا أنْ يكونَ بنَى على التَّكبيرةِ التي كبَّرها وهو جُنبٌ، وبنَى القومُ معه على تكبيرِهم. فإنْ كان هذا فهو منسوخٌ بالسُّنَّةِ والإجماع؛ فأمَّا السُّنَّةُ فقولُه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يقبلُ اللَّهُ صلاةً بغيرِ طُهورٍ" (٥). فكيفَ يبني على ما صلَّى وهو غيرُ طاهر؟


(١) ينظر: الأمّ ١/ ٢٠٣.
(٢) سيأتي مع تخريجه.
(٣) في الأمّ ١/ ١٩٤.
(٤) في الأم: "إلا على طهارة"، وهي بمعنًى. والجملة التي بعدها لم ترد فيه.
(٥) سيأتي بإسناد المصنِّف مع تخريجه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>