للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن حُجَّةِ الشّافِعيِّ في الزِّنديقِ - أنَّهُ يُستتابُ، فإن أقرَّ وأظهرَ الإسلام، لم يُقْتَل -: أنَّ (١) رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقتُلِ المُنافِقينَ، لإظهارِهِمُ الإسلامَ، ولو شاء لقَتَلهم بالشَّهادةِ عليهِم، دُون العِلم، والقضاءُ بالعِلم للحاكِم عِند الشّافِعيِّ جائزٌ (٢).

وهذه المسألةُ ليسَ هذا مَوْضِعَها، وإنَّما أتينا بما يُطابِقُ بعضَ معاني الحديثِ ويُجانِسُهُ، على شرطِ الاخْتِصارِ، وتركِ الإكثارِ.

وقال أبو بكرٍ الأثرمُ: قلتُ لأحمد بن حنبل: يُسْتتابُ الزِّنديقُ؟ قال: ما أدري. قلتُ: إنَّ أهلَ المدينةِ يقولُونَ: يُقتلُ ولا يُستتابُ. فقال: نعم، يقولُونَ ذلك. ثُمَّ قال: من أيِّ شيءٍ يُستتابُ، وهُو لا يُظهِرُ الكُفرَ، هُو يُظهِرُ الإيمانَ، فمِن أيِّ شيءٍ يُستتابُ؟ قلتُ: فيُستتابُ عِندَكَ؟ قال: ما أدري (٣).

ومن الحُجَّةِ أيضًا، لمن أبَى من قَتْلِ الزِّنديقِ، مع هذا الحديثِ المذكُورِ، في هذا البابِ، قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرتُ أن أُقاتِلَ النّاس حتَّى يقولوا: لا إله إلّا اللهُ، فإذا قالُوها، عَصمُوا مِنِّي دِماءهُم إلّا بحقِّها، وحِسابُهُم على الله" (٤). وقد قال


(١) في ر ١، ض: "لأن".
(٢) ينظر: الحاوي الكبير ١٣/ ١٥٢.
(٣) قال ابن قدامة في المغني ٩/ ٦: "إن مفهوم كلام الخرقي أنه إذا تاب قبلت توبته ولم يُقتل، أيّ كفر كان، وسواء كان زنديقًا يستتر بالكفر أو لم يكن، وهذا مذهب الشافعي والعنبري. ويروى ذلك عن علي وابن مسعود، وهو إحدى الروايتين عن أحمد واختيار أبي بكر الخلال، وقال: إنه أولى على مذهب أبي عبد الله. والرواية الأخرى: لا تقبل توبة الزنديق ومن تكررت ردته، وهو قول مالك والليث وإسحاق".
(٤) أخرجه أحمد في مسنده ١/ ٢٢٩ (٦٧)، والبخاري (٦٩٢٤، ٧٢٨٤)، ومسلم (٢٠)، وأبو داود (١٥٥٦)، والترمذي (٢٦٠٧)، والنسائي في المجتبى ٥/ ١٤ و ٧/ ٧٧، وفي الكبرى ٣/ ٤١١ (٣٤١٩)، وابن حبان (٢١٧) من حديث أبي هريرة، عن عمر. وانظر: المسند الجامع ١٣/ ٤٨٧ - ٤٨٨ (١٠٤٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>