للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا ابنُ نافِع، فرواهُ عن مالكٍ، فقال: ميراثُهُ فيءٌ لجماعةِ المُسلِمينَ.

فهذا أبينُ؛ لأنَّ الدَّم أعظمُ حُرمةً من المال، والمالُ تَبَعٌ لهُ.

واختلَفَ الفُقهاءُ في اسْتِتابَةِ الزِّنديقِ، المشهُودِ عليهِ بالكُفرِ والتَّعطيل، وهُو مُقِرٌّ بالإيمانِ، مُظْهِرٌ لهُ، جاحِدٌ لما شُهِد بهِ عليه، مُنكِرٌ لهُ.

فقال مالكٌ وأصحابُهُ: يُقتلُ الزَّنادِقةُ ولا يُسْتتابُونَ. قال مالكٌ: ويُسْتَتابُ القَدَريَّةُ، كما يُسْتتابُ المُرْتدُّ. قال ابنُ القاسم: فقيلَ لمالكٍ في القدريَّةِ: كيف يُسْتتابُون؟ قال: يُقالُ لهم: اترُكُوا ما أنتُم عليه، فإن فَعلُوا، وإلّا قُتِلُوا (١).

واختَلَفَ قولُ أبي حنيفةَ وأبي يُوسُفَ في الزِّنديقِ، فقالا مرَّةً: يُسْتتابُ، ومرَّةً قالا: فلا يُستتابُ، ويُقتلُ دُون اسْتِتابةٍ (٢).

وقال الطَّحاويُّ (٣): أخبرنا سُليمانُ بن شُعيبٍ، عن أبيهِ، عن أبي يُوسُف، عن أبي حَنِيفةَ قال: اقتُلِ الزِّنديقَ، فإنَّ تَوْبتهُ لا تُعرفُ. قال: ولم يَحْكِ أبو يُوسُف خِلافًا (٤).

وقال الشّافِعيُّ (٥): يُسْتتابُ الزِّنديقُ، كما يُستتابُ المُرتدُّ ظاهِرًا، فإن لم يَتُب قُتِل. قال: ولو شهِدَ شاهِدانِ على رجُلٍ بالرِّدَّةِ، فأنكرَ، قُتِلَ، فإن أقَرَّ: أن لا إلهَ إلّا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسُولُ الله، وتبرَّأ من كلِّ دينٍ خالَفَ الإسلامَ، لم يُكشَفْ عن غيرِهِ.


(١) المدونة ١/ ٥٣١.
(٢) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٥٠١، وفتح الباري للحافظ ابن حجر ١٢/ ٢٧٢.
(٣) شرح معاني الآثار ٣/ ٢٠٩ - ٢١٠.
(٤) في ر ١، ض: "ولم يحك عن أبي يوسف خلافًا" ولا يسوغ مع قوله: "قال".
(٥) قوله: "وقال الشافعي" في ر ١، ض: "قد"، وقول الشافعي ذكره ابن المنذر في الأوسط ١٣/ ٤٩٤ (٩٦٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>