للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا إنِ احتاجَ إلى ذلك، لأمرٍ نزلَ بهِ، فذلك لهُ. قال: وإن أرادَ بيع دارِه، فقال: انزعْ خشبَكَ، فليس ذلك لهُ (١).

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُهُ (٢): معنى الحديثِ المذكُورِ عندنا: الاختيارُ، والنَّدبُ في إسعافِ الجارِ وبِرِّهِ إذا سألهُ ذلك، على نحوِ قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: ٣٣]. ولم يختلف عُلماءُ السَّلفِ، أنَّ ذلك على النَّدبِ، لا على الإيجابِ، فكذلك معنى هذا الحديثِ عِندهُم، وحملُوهُ على معنى قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اسْتأذَنتْ أحدَكُمُ امرأتُهُ إلى المسجِدِ، فلا يَمْنَعها" (٣). وهذا معناهُ عندَ الجميعِ: الحضُّ والنَّدبُ على حَسَبِ ما يراهُ الزَّوجُ من الصَّلاح والخيرِ في ذلك (٤).

وقال أصبغُ، عن (٥) ابن القاسم: لا يُؤخذُ بما قضى بهِ عُمرُ على محمدِ بن مَسْلمَةَ في الخليج، ولا يَنْبغي أن يكون أحقَّ بمالِ أخيهِ منهُ إلّا برِضاهُ. قال: وأمّا ما حَكَم بهِ لعبدِ الرَّحمنِ بن عوفٍ، بتحويلِ الرَّبيع (٦) من موضِعِهِ إلى ناحيةٍ أُخرى من الحائطِ، فإنَّهُ يُؤخذُ بهِ، ويُعملُ بمِثلِهِ؛ لأنَّ مجرَى ذلك الرَّبيع كان لعبدِ الرَّحمنِ ثابتًا في الحائطِ، وإنَّما أرادَ تحويلَهُ إلى ناحيةٍ هي أقربُ عليه، وأرفقُ بصاحِبِ الحائطِ، فلذلكَ حكَمَ لهُ عُمرُ بتحويلِهِ (٧).


(١) انظر: الاستذكار ٧/ ١٩٢.
(٢) مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٤٠١.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٢٧٣ (٥٣٠) من حديث ابن عمر.
(٤) نفسه.
(٥) في م: "بن"، وهو تحريف.
(٦) الرَّبيع: هو النَّهر الصغير. انظر: القاموس المحيط، ص ٩٢٨.
(٧) انظر: الاستذكار ٧/ ١٩٦، وبداية المجتهد لابن رشد ٢/ ٢٣٧. وخبر محمد بن مسلمة وعبد الرحمن بن عوف عند مالك في الموطأ ٢/ ٢٩١ (٢١٧٣، ٢١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>