للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابنُ القاسم: سُئلَ مالكٌ عن حديثِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمنعَنَّ أحدُكُم جارَهُ أن يَغْرِزَ خشبةً في جِدارِهِ". فقال مالكٌ: ما أرَى أن يُقضى بهِ، وما أراهُ إلّا من وَجْهِ المعرُوفِ من النَّبيِّ عليهِ السَّلامُ (١).

قال ابنُ القاسم: سُئل مالكٌ عن رجُلٍ كان لهُ حائطٌ، فأرادَ جارر أن يبنيَ عليهِ سُترةً يَسْتتِرُ بها منهُ، قال: لا أرَى ذلك لهُ، إلّا أن يأذَنَ صاحِبُهُ (٢).

وقال آخرُونَ: ذلك على الوُجُوبِ، إذا لم تكُن في ذلك مَضرَّةٌ على صاحِبِ الجِدار. ومِمَّن قال بهذا: الشّافِعيُّ، وأحمدُ بن حنبل، وداودُ بن عليٍّ، وأبو ثَوْرٍ، وجماعةٌ من أهلِ الحديثِ (٣)، وحُجّتُهُم (٤) قولُ أبي هُريرة: والله لأرمينَّ بها بين أكتافِكُم. وأبو هُريرة أعلمُ بمعنى ما سمِعَ، وما كان ليُوجِب عليهم غير واجِب، وهُو مذهبُ عُمرَ بن الخطّابِ، وحكى مالكٌ عن المُطَّلِبِ، قاضٍ كان بالمدينةِ، كان (٥) يقضي بهِ (٦).

ومن حُجَّتِهِم أيضًا، أنْ قالوا: هذا قَضاءٌ من رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بالمَرْفِقِ، وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحِلُّ مالُ امرِئ مُسلِم، إلّا عن طيبِ نفسٍ منهُ" إنَّما هُو على التَّمليكِ والاستِهلاكِ، وليس المرفِقُ من ذلك، وكيف يكونُ منهُ والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فرَّقَ بيَّنَ ذلك، فأوجَبَ أحدَهُما، ومنع من الآخرِ؟


(١) البيان والتحصيل ١٧/ ٦٢٨.
(٢) ذكره المصنف في الاستذكار ٧/ ١٩٣.
(٣) مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٤٠١.
(٤) في ر ١: "ومن حجتهم".
(٥) في الاستذكار: "أنه كان ... " والمثبت من النسخ، وهو جائز صحيح، حمل "حكى" على محمل "قال".
(٦) انظر: الاستذكار ٧/ ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>