للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتجُّوا أيضًا بأنَّ عُمرَ بن الخطابِ، قضى بذلك على محمدِ بن مَسْلمَةَ للضَّحّاكِ بن خليفَةَ، في ساقيةٍ يسُوقُها الضَّحّاكُ في أرضِ محمدِ بن مَسْلمَةَ، وقال لهُ: والله ليمُرَّنَّ بها ولو على بطنِكَ (١)، لامتِناعِهِ من ذلك. ولو لم يكُن ذلك واجِبًا عندَ عُمرَ، ما أجبَرَهُ على ذلك، ولو كان من بابِ: "لا يحِلُّ مالُ امرِئ مُسلِم، إلّا عن طيبِ نفسٍ منهُ" ما قَضى بهِ عُمرُ على رُغم محمدِ بن مَسْلمَةَ. وكذلك قَضى عُمرُ لعبدِ الرَّحمنِ بن عوفٍ، على عبدِ الله بن زيدِ بن عاصِم الأنصاريِّ جدِّ عَمرو بن يحيى المازِنيِّ، مِثلَ ما قَضى بهِ للضَّحّاكِ بن خليفَةَ، على محمدِ بن مَسْلمَةَ. وهذا يدُلُّك على أنَّ ذلك من قَضاءِ عُمر مُستفيضٌ مُتردِّدٌ.

روى مالكٌ (٢) عن عَمرو بن يحيى المازِنيِّ، عن أبيهِ، أنَّ الضحّاك بن خليفَةَ ساقَ خليجًا لهُ من العُرَيضِ (٣)، فأرادَ أن يمُرَّ بهِ في أرضِ محمدِ بن مَسْلمَةَ، فأبى محمدٌ، فقال لهُ الضَّحّاكُ: لِمَ تمنعُني وهُو لكَ مَنْفعة، تشربُ منهُ أوَّلًا وآخِرًا، ولا يضُرُّك؟ فأبى محمدٌ، فكلَّم فيه الضَّحّاكُ عُمر بن الخطّابِ، فدعا عُمرُ بن الخطّابِ محمد بن مَسْلمَةَ، فأمرهُ أن يُخلِّي سبيلهُ، فقال محمدٌ: لا، فقال عُمرُ: لِمَ تمنعُ أخاكَ ما يَنْفعُهُ وهُو لك نافِعٌ، تسقي بهِ أوَّلًا وآخِرًا، وهُو لا يضرُّكَ؟ فقال محمدٌ: لا والله، فقال عُمرُ: والله ليمُرَّنَّ بهِ ولو على بطنِكَ. فأمرهُ عُمرُ أن يمُرَّ بهِ، ففعل الضَّحّاكُ.

وروى مالكٌ (٤) أيضًا عن عَمرو بن يحيى المازِنيِّ، عن أبيهِ: أنَّهُ كان في حائطِ جدِّهِ ربيعٌ لعبدِ الرَّحمنِ بن عوفٍ، فأرادَ عبدُ الرَّحمنِ بن عوفٍ أن يُحوِّلهُ إلى ناحيةٍ من الحائطِ،


(١) قصة عمر هذه والتالية أيضًا عند مالك في الموطأ كما أسلفنا، وسيذكرهما المؤلف عنه لاحقًا.
(٢) أخرجه في الموطأ ٢/ ٢٩١ (٢١٧٣).
(٣) العُريض: واد بالمدينة. معجم البلدان ٤/ ١١١.
(٤) أخرجه في الموطأ ٢/ ٢٩١ (٢١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>