للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والذي تحصَّل عليه مذهبُ مالكٍ عندَ أصحابِه في هذا البابِ في إمام أحرَم بقوم فذكَر أنَّه جُنُبٌ، أو على غيرِ وُضوءٍ، أنَّه يخرُجُ ويقدِّمُ رجُلًا، فإنْ خرَج ولم يُقدِّمْ أحدًا، قدَّموا لأنفسِهم مَن يُتِمُّ بهم الصلاةَ، فإن لم يَفعلُوا وصلَّوا أفذاذًا، أجزأتْهم صلاتُهم، فإن انتظَرُوه ولم يُقدِّموا أحدًا، لم تَفسُدْ صلاتُهم.

وقال يحيَى بنُ يحيى، عن ابنِ نافع: إذا انصرَف ولم يُقدِّمْ، وأشارَ إليهم أن يمكثوا، كان حقًّا عليهم ألا يُقدِّموا أحدًا حتى يَرجِعَ فيُتِمَّ بهم (١).

قال أبو عُمر: أمَّا قولُ مَن قال مِن أصحابِ مالكٍ: إنَّ القومَ في هذه المسألةِ ينتظرونَ إمامَهم حتى يَرجِعَ فيُتِمَّ بهم. فليس بشيءٍ، وإنَّما وجهُه: حتى يَرجِعَ فيبتدِئ بهم، لا يُتِمُّ بهم على أصلِ مالكٍ؛ لأنَّ إحرامَ الإمام لا يُجتَزأُ به بإجماع مِن العلماءِ؛ لأنَّه فعَله على غيرِ طُهورٍ، وذلك باطلٌ، وإذا لم يَجتزِئْ به استأنفَ إحرامَه إذا انصرفَ، وإذا استأنفَه لزِمَهم مثلُ ذلك عندَ مالكٍ؛ ليكونَ إحرامُهم بعدَ إحرام إمامِهم، وإلَّا فصلاتُهم فاسدةٌ؛ لقولِه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الإمامِ: "إذا كبَّر فكبِّرُوا" (٢). هذا هو عندي تحصيلُ مذهبِه، وباللَّه التوفيق.

وأمَّا الشافعيُّ فإنَّه جعَل هذا الحديثَ أصلًا في تركِ الاستخلافِ، فقال (٣): الاختيارُ عندي إذا أحدَث الإمامُ حدثًا لا تَجوزُ له معه الصلاةُ؛ مِن رُعافٍ، أو


(١) ينظر: التاج والإكليل لمختصر خليل للعبدري ٢/ ٤٨٠، والشرح الكبير للدردير ١/ ٣٥١.
(٢) جزء من حديث أخرجه أحمد في المسند ١٩/ ١٢٩ (١٢٠٧٣)، والبخاري (٨٠٥) و (١١١٤)، ومسلم (٤١١) من حديث محمد بن شهاب الزهري، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه. وسيأتي من وجوه عديدة في أثناء شرح الحديث الثاني لمحمد بن شهاب الزهريّ، عن أنس رضي اللَّه عنه، وفي أثناء شرح حديثه عن أبي أكيمة الليثي، وفي أثناء شرح الحديث الحادي والأربعين من بلاغات مالك في مواضعها إن شاء اللَّه تعالى.
(٣) في الأم ١/ ٢٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>