للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معروفٌ بالإسلام؛ فقال مالكٌ وأصحابُه (١): إذا عِلم الإمامُ بأنَّه على غيرِ طهارةٍ، وتمادَى في صلاتِه عامدًا، بَطَلَتْ صلاةُ مَن خلفَه؛ لأنَّه أفسَدَ عليهم.

وقال الشافعيُّ (٢): صلاةُ القوم جائزةٌ تامَّةٌ، ولا إعادةَ عليهم؛ لأنَّهم لم يُكلَّفوا علمَ ما غابَ عنهم، وقد صلَّوا خلفَ رجلٍ مُسلم في علمِهم. وبهذا قال جُمهورُ فُقهاءِ الأمصارِ، وأهلُ الحديثِ، وإليه ذهَبَ ابنُ نافع صاحبُ مالك.

ومن حُجَّةِ مَن قال بهذا القولِ أنَّه لا فرقَ بينَ عمدِ الإمام ونسيانِه في ذلك؛ لأنَّهم لم يُكلَّفوا علمَ الغيبِ في حالِه، فحالُهم في ذلك واحدةٌ، وإنّما تَفسُدُ صلاتُهم إذا علِموا بأنَّ إمامَهم على غيرِ طهارةٍ فتمادَوا خلفَه، فيكونونَ حينئذٍ المُفسدينَ على أنفسِهم، وأمَّا هو فغيرُ مُفسدٍ عليهم بما لا يَظهَرُ مِن حالِه إليهم، لكنَّ حالَه في نفسِه تَختلِفُ؛ فيَأثَمُ في عمدِه إنْ تَمادَى بهم، ولا إثمَ عليه إنْ لم يَعلمْ ذلك وسَها عنه.

قال أبو عُمر: قد أوضَحْنا والحمدُ للَّه القولَ بأنَّ حديثَ هذا البابِ لا يَصِحُّ الاحتجاجُ به في جوازِ صلاةِ مَن صلَّى خلفَ إمام على غيرِ طهارةٍ، على مذهبِ مالكٍ، وأنَّ أصلَ مذهبِه في هذه المسألةِ فعلُ عمرَ رضي اللَّه عنه في جماعةِ الصحابةِ، لم يُنكِرْه عليه ولا خالفَه فيه واحدٌ منهم، وقد كانوا يُخالِفونَه في أقلَّ مِن هذا ممَّا يَحتمِلُ التَّأويلَ، فكيفَ بمثلِ هذا الأصلِ الجسيم، والحكم العظيم؟ وفي تسليمِهم ذلك لعمرَ وإجماعِهم عليه ما تَسكُنُ القلوبُ في ذلك إليه؛ لأنَّهم خيرُ أُمَّةٍ أُخرجَتْ للناسِ، يأمرونَ بالمعروفِ وينهَونَ عن المنكرِ، فيَستحيلُ عليهم إضافةُ إقرارِ ما لا يَرضَونَه إليهم.

وأمَّا الشافعيُّ فإنَّه جعَل حديثَ هذا البابِ أصلًا في جوازِ صلاةِ القوم خلفَ الإمام الجنبِ، وأردَفه بفعلِ عمرَ، وفتوَى عليٍّ. وقد تقدَّم ذِكرُنا لذلك في هذا البابِ.


(١) المدوّنة ١/ ١٣٨.
(٢) الأمّ ٧/ ١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>