للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا قولُ من قال في حديثِ أبي هُريرة: "لا يحِلُّ لامرِئٍ أن يمنَعَ جارَهُ" ونَهَى أن يمنعَ الرَّجُلُ جارَهُ أن يضَعَ خَشَبةً (١) في جِدارِهِ، فليسَ مِمَّن يُحتجُّ بنقلِهِ على مِثلِ مالكٍ ومن تابَعهُ، ويُحتملُ أن يكون: لا يحِلُّ في حُقُوقِ الجارِ منعُهُ من ذلك؛ لأنَّ منعَ ما لا يضُرُّ ليسَ من أخلاقِ الكِرام من المُؤمِنينَ.

ومن الدَّليلِ أيضًا على صِحَّةِ ما ذهبَ إليه مالكٌ، وعلى أنَّ الخِلافَ في هذه المسألةِ لم يزل من زمنِ عُمر: قولُ أبي هُريرة: ما لي أراكُم عنها مُعرِضين؟ وذلك في زمنِ الأعرج والتّابِعين، وهذا يدُلُّ على أنَّ النّاس لم يَتَلَقَّوْا حديثهُ على الوَجْهِ الذي ذهبَ إليه أبو هُريرةَ من إيجابِ ذلك، ومذهبُ أبي هُريرةَ في هذا، كمذهبِ عُمرَ.

وفي المسألةِ كلامٌ لمن خالَفَنا وعليهم، لم أذكُرهُ مخافَةَ التَّطويلِ.

وأمّا قولُ عبدِ الملكِ بن حبيبٍ (٢)، فاضطربَ في هذا البابِ، ولم يثبُت فيه على مذهبِ مالكٍ ولا مذهبِ العِراقَيِّينَ ولا مذهبِ الشّافِعيِّ، وتناقضَ في ذلك، ولم يُحسِنِ الاختيار؛ قال - في قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَمْنعُ (٣) أحدُكُم جارَهُ أن يغرِزَ خَشَبةً في جِدارِهِ" -: لازِمٌ للحاكِم أن يحكُمَ بهِ على من أباهُ، وأن يُجبِرهُ عليهِ بالقَضاءِ؛ لأَنَّهُ حقٌّ قَضى بهِ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأَنَّهُ أيضًا من الضِّرارِ أن يدفعَه أن يغرِزَ خُشُبَ بيتهِ في جِدارِهِ، فيمنعُهُ بذلك المنفعةَ، وصاحِبُ الجِدارِ لا ضرَرَ عليهِ في ذلك. قال: ويدخُلُهُ أيضًا قولُ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرَرَ، ولا ضِرارَ" (٤)، وقولُ عُمرَ: لمَ تمنعُ أخاكَ ما لا يضُرُّك؟ (٥). قال: وقد قَضى مالكٌ للجارِ إذا تغَوَّرَتْ


(١) في ر ١: "خشبته".
(٢) انظر: الاستذكار ٧/ ١٩٦ - ١٩٧.
(٣) في ر ١: "يمنعن".
(٤) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٢٩٠ (٢١٧١).
(٥) أخرجه مالك أيضًا في الموطأ ٢/ ٢٩١ (٢١٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>