للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاحتجَّ بهذينِ الخبرينِ وما كان مثلَهما، مَن كرِهَ الاستخلافَ مِن العلماءِ.

وقال أبو بكرٍ الأثرمُ: سمِعْتُ أحمدَ بنَ حنبلٍ يُسألُ عن رجلٍ أحدَث وهو يُصلِّي: أيَستَخلِفُ أم يقولُ لهم يَبْتَدِئونَ؛ وهو كيفَ يصنعُ؟ فقال: أمَّا أنا فيُعجبُني أنْ يتوضَّأَ ويَستقبِلَ. قيل له: فهم كيفَ يَصنعونَ؟ فقال: أمَّا هم ففِيه اختلافٌ. قال أبو بكرٍ: ومذهبُ أبي عبدِ اللَّه -يعني أحمدَ بنَ حنبلٍ رحِمَه اللَّهُ- ألا يَبنِيَ في الحدَثِ، سمِعتُه يقولُ: الحَدَثُ أشدُّ، والرُّعافُ أسهلُ (١).

وقد تابَعَ الشافعيَّ على ترْكِ الاستخلافِ داودُ بنُ عليٍّ وأصحابُه، فقالوا: إذا أحدَث الإمامُ في صلاتِه صلَّى القومُ أفذاذًا (٢).

وأمَّا أهلُ الكوفةِ وأكثرُ أهلِ المدينةِ فكلُّهم يقولُ بالاستخلافِ لِمَن نابَه شيءٌ في صلاتِه، فإن جهِل الإمامُ ولم يَستخلِفْ، تقدَّمهم واحدٌ منهم بإذْنِهم، أو بغيرٍ إذْنِهم، وأتمَّ بهم، وذلك عندَهم عملٌ مُستَفِيضٌ (٣)، واللَّهُ أعلمُ.

إلّا أنَّ أبا حنيفةَ إنَّما يرى الاستخلافَ لمن أحرَم وهو طاهرٌ ثم أحدَث، ولا يرَى لإمام جُنبٍ أو على غيرِ وُضوءٍ إذا ذكَر ذلك في صلاتِه أنْ يَستخلِفَ، وليس عندَه في هذه المسألةِ موضعٌ للاستخلافِ؛ لأنَّ القومَ عندَه في غيرِ صلاةٍ، كإمامِهم سواءً، على ما ذكَرنا مِن أصلِه في ذلك (٤).

قال أبو عُمر: لا تَبِينُ عندي حُجَّةُ مَن كرِهَ الاستخلافَ استدلالًا بحديثِ هذا البابِ؛ لأنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليس في الاستخلافِ كغيرِه، ولا يَجوزُ أنْ يَتَقَدَّمَ


(١) ومثل ذلك نقل عنه ابنه عبد اللَّه في مسائله ١/ ١١١ (٣٩٨) قال: "إذا أحدَثَ الإمام فخرج فتوضّأ، يبني أو يستقبل؟ قال: لا يبني على صلاته، ولكن يستقبل، لأنه يُروى عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا صلاة إلا بطُهور".
(٢) ينظر: المحلّى لابن حزم ٤/ ٢٢٠ - ٢٢١.
(٣) ينظر: الأوسط لابن المنذر ٤/ ٢٧٦ - ٢٧٧.
(٤) ينظر: الأوسط لابن المنذر ٤/ ٢٧٦، والمبسوط للسرخسي ١/ ١٦٩ - ١٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>