للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففيه دليلٌ على أنَّ الجُمُعةَ واجِبةٌ على أهلِ المِصْرِ بغيرِ سُلْطانٍ، وأنَّ أهلَهُ إذا أقامُوها ولا سُلطانَ عَليهِم، أجزأتهُم.

وهذا موضِعٌ اختلَفَ العُلماءُ فيه قديمًا وحديثًا، وصَلاةُ العيدينِ مِثلُ صلاةِ الجُمُعة، والاختِلافُ في ذلك سواءٌ؛ لأنَّ صلاةَ عليٍّ بالنّاسِ العيدَ وعُثمانُ محصُورٌ، أصلٌ في كلِّ سَببٍ تخلَّفَ الإمامُ عن حُضُورِهِ أو خليفَتُه، أنَّ على المُسلِمين إقامَةَ رجُل يقومُ به.

وهذا مذهبُ مالكٍ، والشّافِعيِّ، والأوزاعيِّ، على اختِلافٍ عنهُ، والطَّبريِّ، كلُّهُم يقولُ: تجُوزُ الجُمُعةُ بغيرِ سُلطانٍ، كسائرِ الصَّلواتِ (١).

وقال أبو حنيفةَ، وأبو يُوسُفَ، وزُفَرُ، ومحمدٌ: لا تُجزِئُ الجُمُعةُ إذا لم يكُن سُلطانٌ (٢).

ورُوِيَ عن محمدِ بن الحسنِ: أنَّ أهل مِصْرٍ لو ماتَ واليهِم، جازَ لهم أن يُقدِّمُوا رجُلًا يُصلِّي بهمُ الجُمُعةَ، حتَّى يَقْدَمَ عليهِم وال (٣).

وقال أحمدُ بن حنبل: يُصلُّون بإذنِ السُّلطانِ (٤).

وقال داودُ: الجُمُعةُ لا تَفْتقِرُ إلى والٍ ولا إمام، ولا إلى خُطبة، ولا إلى مكانٍ. ويجُوزُ (٥) للمُنفرِدِ عِندهُ أن يُصلِّي ركعتينِ، وتكونُ جُمُعةً. قال: ولا يُصلِّي أحدٌ إلّا ركعتينِ في وقتِ الظُّهرِ يومَ الجُمُعة (٦). وقولُ داودَ هذا خِلافُ قولِ جميع فُقهاءِ الأمصارِ؛ لأنَّهُم أجمعُوا أنَّها لا تكونُ إلّا بإمام وجَماعَةٍ.


(١) انظر: الحاوي الكبير ٢/ ٤٤٧، وشرح البخاري لابن بطال ٢/ ٣٢٦.
(٢) انظر: مختصر اختلاف العلماء ١/ ٣٤٥، والمبسوط للسرخسي ٢/ ٢٣، وبدائع الصنائع ١/ ٢٦١.
(٣) مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٣٤٥.
(٤) ذكره في ا لاستذكار ٢/ ٣٨٨.
(٥) في ر ١: "ولا يجوز".
(٦) تنظر تفاصيل ذلك في المحلى ٥/ ٤٢ فما بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>