للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبه قال مالكٌ، وأصحابُهُ، وعبدُ الله بن المُباركِ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وداودُ بن عليٍّ، والطَّبريُّ، إلّا أنَّ أحمد بن حَنْبل قال: إن سمِعَ لم يقرأ، وإن لم يسمع قَرَأ (١).

ومن أصحابِ داود من قال: لا يقرأُ فيما قَرَأ إمامُهُ وجهَرَ. ومنهُم من قال: يقرأُ. وأوجبُوا كلُّهُمُ القِراءةَ فيما (٢) أسرَّ الإمامُ (٣).

ورُوي عن عُمرَ بن الخطّاب، وعليِّ بن أبي طالبٍ، وابنِ مسعُودٍ، على اختِلافٍ عنهُم: القِراءةُ في ما أسرَّ الإمامُ، دُونَ ما جهَرَ. وعن عُثمانَ بن عفّانَ، وأُبيِّ بن كعبٍ، وعبدِ الله بن عُمرَ، مِثلُ ذلكَ (٤).

وهُو أحدُ قَوْلي الشّافِعيِّ، كان يقولُهُ بالعِراقِ (٥). وهذا هُو القولُ المُختارُ عِندَنا، وبالله توفيقُنا.

فمِن الحُجَّةِ لمن ذهَبَ هذا المَذهَبَ، قولُ الله عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: ٢٠٤]. وهذا عِندَ أهلِ العِلم، عِندَ سماع القُرآنِ في الصلاةِ، فأوجَبَ تباركَ وتعالى الاسْتِماع، والإنصاتَ على كلِّ مُصلٍّ، جهَرَ إمامُهُ بالقِراءةِ ليسمَعَ القِراءةَ.

ومعلُومٌ أنَّ هذا في صَلاةِ الجَهْرِ، دُون صلاةِ السِّرِّ، لأنَّهُ مُسْتحيلٌ أن يُريدَ بالإنْصاتِ والاسْتِماع من لا يجهرُ إمامُهُ، وكذلكَ مُستحيلٌ أن تَكُون مُنازَعةُ القُرآنِ


(١) تنظر تفاصيل ذلك في مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٢٠٤ - ٢٠٥، واختلاف الفقهاء للمروزي ١/ ١٣١، والمغني لابن قدامة ١/ ٤٠٦.
(٢) زاد هنا في م: "إذا".
(٣) انظر: الاستذكار ١/ ٦٤٦.
(٤) انظر: مصنَّف عبد الرزاق (٢٧٧٢، ٢٧٧٧، ٢٨٠٣، ٢٨٠٦، ٢٨١٠، ٢٨١١)، ومصنَّف ابن أبي شيبة (٣٨٠١ و (٣٨٠٢) و (٣٨٠٥) وغيرها، وشرح معاني الآثار للطحاوي ١/ ٢٢٠.
(٥) المحفوظ عن الشافعي أن المأموم يقرأ فيما جهر وما أسر في رواية المزني، وفي البويطي: أنه يقرأ فيما أسر بأم القرآن وسورة في الأوليين وأم القرآن في الأخريين، وما جهر فيه الإمام لا يقرأ إلا بأم القرآن، كما في مختصر اختلاف العلماء ١/ ٢٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>