وقال الشّافعيُّ، والأوزاعيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأحمدُ، وإسحاقَ، وداودُ: القِراءةُ فيما أسَرَّ فيه الإمامُ واجبةٌ، ولا صَلاةَ لمن لم يَقْرأ في كلِّ رَكْعةٍ منها بفاتحةِ الكتابِ، أقَلُّ شيءٍ إذا أسَرَّ الإمامُ بالقِراءةِ، لأنَّ الإنْصاتَ إنَّما يكونُ عندَ الجهرِ بالقراءةِ، لقوله:{فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}[الأعراف: ٢٠٤]، ولقول رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لي أُنازَعُ القُرآنَ".
وقد ارْتَفعَتْ هذهِ العِلَّةُ في صلاةِ السرِّ، فوجَبَ على كلِّ مُصلٍّ أن يَقْرأ لنفسهِ في صلاتِهِ، ولا ينُوبُ عندَ واحدٍ منهم قِراءةُ الإمام، عن قراءةِ المأمُوم، ولا تُجزئهُ، كما لا ينُوبُ، ولا يُجْزئُ عنهُ عندهُم إحرامُهُ، ورُكُوعُه، وسُجُوده، عن إحرام المأمُوم، ورُكُوعهِ وسجُودهِ.
وقد تقدَّمَ في هذا الباب الحُجَّة لهم، فأغْنَى عن إعادتها ههنا.
قال أبو عُمر: للشّافعيِّ في القراءةِ خلفَ الإمام ثلاثةُ أقوالٍ، أحدُها: أن يقرأُ مع الإمام فيما أسَرَّ وفيما جهَرَ. والثّاني: يقرأُ معهُ فيما جهَرَ بأُمِّ القُرآنِ فقط، ويتبعُ سَكَتات الإمام قبلَ وبعدَ. والثّالثُ: لا يقرأُ معهُ فيما جهَرَ، ويقرأُ معهُ فيما أسَرَّ (١).
وذكرَ ابن خُوَيْزمَنْداد قولًا رابعًا مثلَ قولِ أبي حنيفةَ: لا يقرأُ مع الإمام فيما أسَرَّ، ولا فيما جهَرَ.
وهذا القولُ الرّابع عِندَ أصحابهِ غير مَشْهُورٍ، وأصحابهُ اليومَ لا يذكرُونَ في المسألةِ إلّا قولينِ، أحدُهُما: لا بُدَّ للمأمُوم من قراءةِ أُمِّ القُرآن على كلِّ حالٍ، فيما أسَرَّ، وفيما جهَرَ.
والثّاني: يقرأُ معهُ فيما أسَرَّ، ولا يقرأُ معهُ فيما جهَرَ. وهذا هو القولُ عندنا، وبالله التَّوفيقُ.