للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّمسِ، تنشُرُها في كلِّ عام مرَّةً، وأرواحُ الشُّهداءِ في طيرٍ كالزَّرازيرِ (١) يَتَعارفُون، ويُرزقُونَ من ثَمَرِ الجنَّةِ (٢).

قال أبو عُمر: قد ذكَرَنا من الآثارِ عن السَّلفِ ما في معنَى حَديثِنا في هذا البابِ، لقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما نَسمةُ المُؤمِنِ طائرٌ تعلَقُ في شَجَرِ الجنَّةِ".

وهذه الآثارُ كلُّها تدُلُّ على أنَّهُمُ الشُّهداءُ دُون غيرِهِم، وفي بَعضِها: "في صُورةِ طيرٍ". وفي بعضها: "في أجوافِ طيرٍ". وفي بَعْضِها: "كطَيرٍ". والذي يُشبِهُ عِندي، واللهُ أعلمُ، أن يَكُون القولُ قول من قال: "كطَيرٍ" أو "كصُورِ طيرٍ" لمُطابقتِهِ لحديثِنا المذكُورِ، وليسَ هذا مَوْضِع نَظرٍ ولا قياسٍ، لأنَّ القِياسَ إنَّما يكونُ فيما يُسُوغُ فيه الاجتِهادُ، ولا مدخَلَ للاجتِهادِ في هذا البابِ، وإنَّما نُسلِّمُ فيه لما صَحَّ من الخَبَرِ، عمَّن يجِبُ التَّسليمُ لهُ.

رَوَى عيسَى بن يُونُس هذا الحديثَ، عن الأعْمَشِ، عن عبدِ الله بن مُرَّةَ، عن مسرُوقٍ، عن عبدِ الله، فقال: "أرواحُهُم كطَيرٍ خُضرٍ" (٣).

وكذلكَ قال فيه روحُ بن القاسم، عن الأعمشِ، عن عبدِ الله بن مُرَّةَ، عن مسرُوقٍ، عن عبدِ الله: "كطيرٍ خُضرٍ تسرحُ في الجنَّةِ حيثُ شاءَت، وتأوي إلى قَناديلَ تحتَ العَرْشِ" (٤).

وثبتَ عن ابن عبّاسٍ، ومُجاهِدٍ، وسعيدِ بن جُبير: أنَّ هذه الآيةَ نزلت في الشُّهداءِ، قولُهُ تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. وهُو قولُ ابن مسعُودٍ، وأبي سعيدٍ، وجابرٍ، وهُو الصَّحيحُ، وبالله التَّوفيقُ.


(١) الزَّرازير، جمعُ زرزور، بضم الأول، نوع من العصافير. انظر: المصباح المنير ١/ ٢٥٢.
(٢) أخرجه أبو نعيم في الحلية ١/ ٢٨٩ - ٢٩٥ من طريق أبي عاصم، به. وابن أبي شيبة (٣٥١١١) من طريق ثور بن يزيد، به. وعندهما: "المؤمنين" بدل: "الشهداء".
(٣) أخرجه مسلم (١٨٨٧) (١٢١) وفيه: "أرواحهم في جوف طير خضر". وقد سلف تخريجه قريبًا.
(٤) أخرجه الحميدي (١٢٠) عن سفيان، عن الأعمش، بهذا اللفظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>