للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبو عُبَيدٍ (١)، عن أبي عُبيدَةَ، وأبي عمرٍو، قال: وقال الأصمَعِيُّ: الإيغَالُ: السَّيْرُ الشديدُ، وأمَّا الوُغُولُ فهو الدُّخولُ (٢).

وقد جعلَ مُطَرِّفُ بنُ عبدِ اللَّه بنِ الشِّخِّيرِ رحِمَهُ اللَّه الغُلُوَّ في أعمالِ البِرِّ سَيِّئَةً، والتَّقْصِيرَ سَيِّئَةً، فقال: الحسنةُ بينَ سَيِّئَتَيْنِ.

وأمَّا لَفْظُه في قولِه: "إنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حتَّى تَمَلُّوا" فلفْظٌ يَخْرجُ (٣) على مِثالِ (٤) لَفْظٍ، ومعلومٌ أنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ لا يمَلُّ سَواءٌ مَلَّ الناسُ أو لم يَمَلُّوا، ولا يدخُلُه مَلالٌ في شيءٍ مِن الأشْياءِ، جلَّ وتعالى عُلُوًّا كبيرًا، وإنَّما جاءَ لفظُ هذا الحديثِ على المعروفِ مِن لُغَةِ العربِ، بأنّهم كانوا إذا وضَعُوا لَفْظًا بإزاءِ لَفْظٍ وقُبَالَتَه، جَوابًا له وجَزاءً (٥)، ذكَرُوه بمِثْلِ لفظِه، وإنْ كان مُخالِفًا له في معناه، ألَا تَرَى إلى قولِه عزَّ وجلَّ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠]. وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤]. والجزاءُ لا يكونُ سيئة، والقِصاصُ لا يكونُ اعتِداءً؛ لأنه حقٌّ وجَبَ، ومثلُ ذلك قولُ اللَّه تبارك وتعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: ٥٤]. وقوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: ١٤ - ١٥]. وقوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: ١٥ - ١٦]. وليس من اللَّه عزَّ وجلَّ هُزُؤٌ ولا مكرٌ ولا كيدٌ، إنّما هو جزاءٌ لمَكْرِهم واسْتِهزائِهم، وجزاءُ كَيْدِهم، فذكَرَ الجزاءَ بمِثْلِ لَفْظِ الابتداءِ لمّا وُضِعَ بحِذائِه. وكذلك قولُه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا"، أي: إنَّ مَن مَلَّ من عمَلٍ يعمَلُه


(١) في غريب الحديث له ١/ ٢١ عن أبي عُبيدة معمر بن المثنّى فقط، وأما أبو عمرو -وهو ابن العلاء- فنقل عنه شرح معنًى آخر.
(٢) غريب الحديث ٢/ ٢٧ - ٢٨.
(٣) في ق: "خرج".
(٤) في ق: "مثل".
(٥) أشار ناسخ الأصل في الحاشية أنه في نسخة أخرى: "أو جزاءً"، وكذا وقع في ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>