للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنَّهارِ لَمْ يَضْمنُوا. واحتجَّ بحديثِ مالكٍ، عن ابن شِهاب، عن حرام بن سَعْدِ بن مُحيِّصةَ، المذكُورِ في هذا البابِ، وبحديثِ ابن عُيينةَ فيه، على حَسَبِ ما أوردناهُ عنهُ.

قال: والوجهُ الثّاني: إذا كانَ الرَّجُلُ راكِبًا، فأصابت بيدِها، أو برِجلِها، أو فِيها، أو ذَنَبِها، من كَسْرٍ، وجُرح، فهُو ضامِنٌ لهُ، لأنَّ عليه مَنْعها في تلكَ الحالِ من كلِّ ما تُتلِفُ به أحدًا.

قال أبو عُمر: قد مَضَى القولُ في ضمانِ ما جَنَتهُ البهائمُ مُسْتوعبًا كافيًا مُهذَّبًا، في بابِ ما رَواهُ ابن شِهاب، عن سَعيدِ بن المُسيِّبِ من هذا الكِتابِ عِندَ قولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "جَرْحُ العَجْماءِ جُبارٌ" (١). فأغْنَى عن إعادتِهِ هاهُنا.

فأمّا فَسادُ الزُّرُوع، والحوائطِ، والكُرُوم، فقال مالكٌ، والشّافِعيُّ، وأهلُ الحِجازِ في ذلكَ ما ذَكَرناهُ عنهُم في هذا البابِ، وحُجَّتُهُم حديثُ البَراءِ بن عازِبٍ (٢) المذكُورُ فيه، مع ما دلَّ عليه القُرآنُ في قِصَّةِ داود وسُليمان: {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: ٧٨].

ولا خِلافَ كَانَ أهْلِ اللُّغةِ، أنَّ النَّفشَ لا يكونُ إلّا باللَّيلِ، وكذلكَ قال جَماعةُ العُلماءِ بتأويلِ القُرآنِ، وقال الله عزَّ وجلَّ لمحمدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندَ ذكرِ من ذكَرَ من أنبيائهِ في سُورةِ الأنعام {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠].

فجازَ الاقتِداءُ بكلِّ ما ورَدَ به القُرآنُ من شَرائع الأنبياءِ، إلّا أن يمنعَ من ذلكَ ما يجِبُ التَّسليمُ لهُ، من نَسْخ في الكِتابِ، أو سُنَّةٍ وارِدةٍ عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخِلافِ ذلكَ تُبيِّنُ مُرادَ الله، فيُعلَمُ حينئذٍ أنَّ شَرِيعتنا مُخالِفةٌ لشَرِيعتِهِم، فتُحملُ على ما يَجِبُ الاحتِمالُ عليه من ذلكَ، وباللّه التَّوفيقُ.


(١) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٤٤٠ (٢٥٤١) من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٢٩٣ (٢١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>