للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه مَسْألةٌ من مَسائلِ الأُصُولِ، وقد ذكَرْناها في مَوْضِعِها، وأوردنا الاخْتِلافَ فيها، واللّه المُسْتعانُ لا شريكَ لهُ.

وقد قال جُمهُورُ فُقهاءِ الحِجازِ بحديثِ البراءِ بن عازِبٍ في هذا البابِ.

وقال اللَّيثُ بن سعد: يَضْمنُ ربُّ الماشيةِ كلَّ ما أفْسَدت باللَّيلِ والنَّهارِ، ولا يَضْمنُ أكثر من قيمةِ الماشيةِ (١).

ولا أعلمُ من أينَ قال اللَّيثُ هذا، إلّا أن يَجْعلهُ، قياسًا على العَبْدِ الجاني: أنَّهُ لا يُفْتَكُّ بأكثر من قيمتِهِ، ولا يَلْزمُ سيِّدهُ جِنايتُهُ بأكثرِ من قيمتِهِ. وهذا ضعيفُ الوجهِ.

واختُلِف فيه عن الثَّوريِّ، فَرَوى ابن المُباركِ عنهُ: أن لا ضَمانَ على صاحِبِ الماشيةِ (٢). وروى الواقِديُّ عنهُ في شاةٍ وَقَعت في غَزْلِ حائكٍ بالنَّهار: أنَّهُ يَضْمنُ.

وقال الطَّحاويُّ (٣): تَصْحيحُ الرِّوايتينِ عن الثَّوريّ: أنَّهُ إذا أرسلها سائبةً ضَمِن، وإذا أرسلها محفُوظةً، لَمْ يضمن باللَّيلِ، ولا بالنَّهار.

واختلَفَ أصحابُ داود في هذا البابِ، فقال بعضُهُم بقَولِ مالكٍ، والشّافِعيِّ، وقال بعضُهُم: لا ضمانَ على ربِّ الماشيةِ والدّابَّةِ، لا في لَيْلٍ، ولا في نَهارٍ، ولا على الرّاكِبِ، والسَّائقِ، والقائدِ، إلّا أن يَتَعدَّى في إرْسالِها، وربطِها في مَوْضِع لا يجِبُ لهُ رَبْطُها فيه، أو يُعنِّفُ عليها في السِّياقِ، فيَضْمنُ بجِنايةِ نفسِهِ، وأمّا إذا لَمْ يَكُن لهُ في ذلكَ سببٌ، فلا ضمانَ عليه، لقولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "جَرْحُ العَجْماءِ جُبارٌ" (٤).

إنَّما معناهُ على ما قدَّمنا في بعضِ المُتْلفاتِ دُونَ بعضٍ، لحديثِ البَراءِ بن عازِبٍ، وهُو حديثٌ مشهُورٌ صحيحٌ (٥) من حديثِ الأئمَّةِ الثِّقاتِ معَ عملِ


(١) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٥/ ٢١٢، والاستذكار ٧/ ٢٠٧.
(٢) كذلك.
(٣) مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٥/ ٢١٢.
(٤) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٤٤٠ (٢٥٤١) من حديث أبي هريرة.
(٥) في م: "وصحيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>