للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأغْلَبُ عِندهُم، أنَّ من لهُ الزَّرعُ يَتعاهدُهُ بالنَّهارِ، ويحفظُهُ عمَّن أرادهُ، لانتِشارِ البهائم للرَّعيِ وغيرِهِ، فجُعِل حِفْظُ ذلكَ بالنَّهارِ على أهلِ الزَّرع، لأنَّهُ وقتُ التَّصرُّفِ في المعاشِ، والرَّعيِ، وحِفْظِ الأموالِ، وإرْسالِ الدَّوابِّ، والمَواشي، وإذا أتْلَفت بالنَّهارِ من الزَّرع شيئًا، فصاحِبُ الزَّرع إنَّما أُتِيَ (١) من قِبلِ نَفسِهِ، حيثُ لَمْ يَحْفظهُ، في الوَقْتِ الذي الأغْلَبُ من النّاسِ، أنَّهُم يَحْفظُونهُ فيه، مِمَّن أرادَهُ، إذ لو مُنِع النّاسُ من تَرْكِ مَواشيهِم للرَّعيِ من أجْلِ الزَّرغ للحِقتهُم في ذلكَ مَضرَّةٌ ومَشَقَّةٌ، فإذا جاءَ اللَّيلُ، فقد جاءَ الوقتُ الذي يَرْجعُ كلّ شيءٍ إلى مَوْضِعِهِ، وَيرْجعُ أهلُ الزَّرع إلى مَنازِلهِم، ويرُدُّ أهلُ الماشيةِ ماشيتهُم إلى مَواضِعِهِم ليَحْفظُوها فيها، فإذا تَرَكُوها ليلًا، حتَّى أفْسَدت، فالجِنايةُ من أهلِ المَواشي، لا من أهلِ الزَّرع، لأنَّ الأغْلَبَ، أنَّ النّاس لا يَحفظُون زُرُوعهُم باللَّيل، لاسْتِغنائهِم عن ذلكَ، وعِلْمِهِم أنَّ المَواشيَ باللَّيلِ تُردُّ إلى أماكِنِها.

فإذا فرَّطَ صاحِبُ الماشيةِ في ردِّها إلى مَنْزِلِهِ، أو فرَّطَ في ضَبْطِها وحَبْسِها عن الانتِشارِ باللَّيلِ، حتَّى أتْلَفَتْ شيئًا، فعليه ضمانُ ذلكَ، إلّا أن تكونَ الماشيةُ ضالَّةً، أو نافِرةً، فلا يتهيَّأُ لصاحِبِها ضمُّها، ولا رَدُّها إلى مَكانِها، فإذا كان كذلكَ، لَمْ يلزمهُ ضمانُ ما أتلفَتْ باللَّيلِ، كما لا يَلْزمُهُ ضمانُ ما أتلَفَتْ بالنَّهارِ.

وأمّا السّائقُ، والرّاكِبُ، والقائدُ، فإنَّهُم يَضْمنُون ما أصابتِ الدّابَّةُ، اسْتِدلالًا بحديثِ البراءِ، لأنَّ ذلكَ في معنى ما أتلفَتْ باللَّيلِ، لأنَّ الرّاكِبَ يَتَهيَّأُ لهُ حِفظُ الدّابَّةِ، فعليه حِفْظُها، ولا مَشَقَّةَ عليه في ذلكَ، وكذلكَ سائقُها، وقائدُها، والأغلبُ، أنَّ النّاسَ إذا رَكِبُوا، أو ساقُوا، أو قادُوا، منعُوا الدّابَّةَ مِمّا أرادت من إتْلافٍ أو غيرِهِ، فإذا لَمْ يَفْعلُوا ذلكَ، فإنَّما أتُوا (٢) من قِبَلِ أنفُسِهِم، فعليهِمُ الضَّمانُ، إلّا أن


(١) في م: "أوتي".
(٢) في م: "أوتوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>