للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأهل الكلام وغيرِهِم أقاويلُ في إدراكِ الجِنِّ بالأبصارِ، وفي دُخُولِهِم في الإنسانِ، وهل هُم مُكلَّفُونَ، أو غيرُ مُكلَّفين، ليسَ بنا حاجةٌ إلى ذِكرِ شيءٍ من ذلكَ في كِتابِنا هذا، لأنَّهُ ليسَ بموضِع ذلكَ.

وهُم عندَ الجماعةِ مُكلَّفُونَ مُخاطَبُونَ، لقولِهِ تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأنعام: ١٣٠]، وقولِهِ تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ٣٤]، وقولِهِ: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ} [الرحمن: ٣١]، وقولِهِ: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: ٥٦].

ولا يختلِفُونَ أنَّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رسُولٌ إلى الإنْسِ والجِنِّ، نَذِير وبشيرٌ، هذا مِمّا فُضِّل به على الأنْبِياءِ، أنَّهُ بُعِثَ إلى الخَلْقِ كافَّةً: الجِنِّ والإنسِ، وغيرُهُ لم يُرسل إلّا بلِسانِ قَوْمِهِ، - صلى الله عليه وسلم -.

ودليلُ ذلكَ، ما نطقَ به القُرآنُ من دُعائهِم إلى الإيمانِ، بقولِهِ في مواضِع من كِتابِهِ: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الرحمن: ٣٣]. والجِنُّ عندَ أهلِ الكلام وأهلِ العِلم باللِّسانِ يُنَزَّلُونَ على مراتِب، فإذا ذَكَرُوا الواحِد من الجِنِّ خالِصًا، قالوا: جِنِّيٌّ، فإن أرادُوا أنَّهُ مِمَّن يسكُنُ مع النّاسِ، قالوا: عامِرٌ، والجمعُ عُمّارٌ، وإن كان مِمَّن يعرِضُ للصِّبيانِ، قالوا: أرواحٌ، فإن خبُثَ وتَعرَّمَ (١) فهُو شيطانٌ، فإن زادَ على ذلكَ فهُو مارِدٌ، فإن زادَ على ذلكَ وقوي أمرُهُ، قالوا: عِفريتٌ، والجُمعُ عَفاريتٌ.

حدَّثنا أحمدُ بن عبدِ الله بن محمدِ بن عليٍّ، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا عبدُ الله بن يُونُس، قال: حدَّثني بَقِيُّ بن مخلدٍ، قال: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شَيْبةَ،


(١) تعرم، من عرم، وعرم فلان عرامة وعرامًا، شرس، واشتد، وخبث، وكان شريرًا. انظر: المعجم الوسيط ٢/ ٥٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>