للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي غيرِ هذا الحديثِ: إنَّ طعامهُم ما لَمْ يُذكَرِ اسمُ الله عليه، وما لَمْ يُغسل من الأيدي والصِّحافِ، وشرابُهمُ الجَدَفُ (١). وهي الرَّغوةُ والزَّبدُ.

وهذه أشياءُ لا تُدركُ بعَقْلٍ، ولا تُقاسُ على أصلٍ، وإنَّما فيها التَّسليمُ لمن آتاهُ الله من العِلم ما لَمْ يُؤتِنا، وهُو نبيُّنا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وفي هذا الحديثِ، حديثِ ابن عُمر المذكُورِ في هذا البابِ ما يرفعُ الإشكال، قولُهُ: "إنَّ الشَّيطانَ يأكُلُ بشِمالِهِ، ويشربُ بشِمالِهِ". ويُحتملُ أن يكونَ الجِنُّ كلُّهُم يأكُلُونَ ويشربُونَ، ويُحتملُ أن يكونَ كذلك بعضُهُم جِنسٌ منهُم.

وحَدَّثَنَا عبدُ الوارِثِ بن سُفيانَ، قال: حَدَّثَنَا قاسِمُ بن أصبَغَ، قال: حَدَّثَنَا محمدُ بن عبدِ السَّلام الخُشنيُّ، قال: حَدَّثَنَا المُسيَّبُ بن واضِح السُّلميُّ، قال: حَدَّثَنَا الحكمُ بن محمدٍ الطَّبَريُّ (٢)، عن عبدِ الصَّمدِ بن مَعْقِلٍ، قال: سمِعتُ وَهْب بن مُنبِّهٍ يقولُ، وسُئلَ عن الجِنِّ ما هُم، وهل يأكُلُونَ ويشربُونَ، ويمُوتُونَ، ويتناكحُونَ؟ قال: هُمْ أجْناسٌ، فأمّا الذين هُم خالِصُ الجِنِّ، فهُم ريحٌ لا يأكُلُونَ، ولا يَشْربُونَ، ولا يتوالدُونَ، ومنهُم أجْناسٌ يأكُلُونَ ويشربُونَ، ويَتَناكحُونَ ويتوالدُونَ، ويمُوتُون، ومنهُمُ السَّعالى، والغُولُ، والقطُربُ، وأشباهُ ذلكَ (٣).

فهذا وَهْبُ بن مُنبِّهٍ قد قال ما تري، واللّه أعلمُ.


(١) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (١٧٥٥)، والبيهقي في الكبرى ٧/ ٤٤٥، من قول ابن أبي ليلي، في قصة طويلة.
(٢) في م: "الطفوي" خطأ. وهو أبو مروان الحكم بن محمد الطبري. انظر: الأنساب ٤/ ٢٣، وتهذيب الكمال ٧/ ١٣٣.
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره ١٧/ ١٠٠، وأبو الشيخ في العظمة (١٠٨٣) من طريق عبد الصمد، به. وانظر: فتح الباري للحافظ ابن حجر ٦/ ٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>