للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حمَلَ قَوْمٌ هذا الحديث، وما كان مِثلهُ على المَجازِ، فقالوا في قولِهِ: "إنَّ الشَّيطانَ يأكُلُ بشِمالِهِ".

أي (١): أنَّ الأكلَ بالشِّمالِ أكلٌ يُحِبُّهُ الشَّيطانُ، كما قال في الحُمْرةِ: "زينةُ الشَّيطانِ" (٢). وفي الاقْتِعاطِ (٣) بالعِمامةِ: "عِمامةُ الشَّيطانِ" (٤). أي: أنَّ الحمرةَ، ومِثلَ تِلكَ العِمَّةِ، يُزِّينُها الشَّيطانُ، ويدعُو إليها، وكذلكَ يدعُو إلى الأكلِ بالشِّمالِ، ويُزيِّنه.

وهذا عِندي ليسَ بشيءٍ، ولا معنى لحَمْلِ شيءٍ من الكلام على المَجازِ، إذا أمكنت فيه الحقيقةُ بوجهٍ ما.

وقال آخرُونَ: أكلُ الشَّيطانِ صحيحٌ، ولكنَّهُ تَشمُّمٌ، واسْتِرواحٌ، لا مَضْغٌ، ولا بلعٌ، وإنَّما المضغُ والبَلْعُ لذوي الجُثثِ، ويكونُ اسْتِرواحُهُ وشمُّهُ، من جِهةِ شِمالِهِ، ويكونُ بذلكَ مُشارِكًا في الماله.

قال أبو عُمر: أكثرُ أهلِ العِلم بالتَّأويلِ، يقولون في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ} قالوا: الإنفاقُ في الحرام {وَالْأَوْلَادِ} [الإسراء: ٦٤] قالوا: الزِّنا.

ومن الدَّليلِ على أنَّ الشَّياطينَ من الجِنِّ، يأكُلُونَ ويشربُونَ:

قولُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العَظْم والرَّوثةِ، في حديثِ الاستِنجاءِ: "هي زادُ إخوانِكُم من الجِنِّ" (٥).


(١) هذا الحرف سقط من م.
(٢) أخرجه الطبراني في الكبير ١٨/ ١٤٨ (٣١٨) من حديث عمران بن حصين. وأخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (١٩٩٦٥، ١٩٩٧٥) مرسلًا عن يحيى بن أبي كثر، والحسن.
(٣) الاقتعاط، هو شد العمامة، من غير إرادةٍ تحت الحنك. انظر: لسان العرب ٧/ ٣٤٨.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (١٩٩٧٨)، والبيهقي في الشعب (٦٢٦٥) عن طاووس، موقوفًا.
(٥) أخرجه أحمد في مسنده ٧/ ٢١٥ (٤١٤٩)، ومسلم (٤٥٠) (١٥٠)، والترمذي (١٨)، والنسائي في الكبرى ١/ ٧٨ (٣٩)، وابن حبان ٤/ ٢٨٠ - ٢٨١ (١٤٣٢) من حديث ابن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>