للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه إباحةُ الشُّربِ من ماءِ الصَّدِيقِ بغيرِ إذنِه. وماءُ الحوائطِ والجنّاتِ والدُّورِ عندَنا مملوكٌ لأهلِه، لهم المنعُ منه، والتَّصرُّفُ فيه بالبيع وغيرِه، وسنَذكُرُ معنَى نَهيِه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الماء، وعن بيع فضلِ الماء، في بابِ أبي الرِّجالِ محمدِ بنِ عبدِ الرَّحمن، عندَ قولِه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يُمنَعُ نَقعُ بئرٍ" (١)، إن شاء اللَّه.

وإذا جاز الشُّربُ من ماءِ الصديقِ بغيرِ إذنِه، جاز الأكلُ من ثمارِه وطعامِه، إذا عَلِم أنَّ نفسَ صاحبه تطيبُ به؛ لتَفاهتِه ويَسِير مُؤنتِه، ولِمَا بينهما من المودَّة، وقد قال اللَّه عزَّ وجلَّ: {أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا (٦١)} [النور: ٦١].

ذكَر محمدُ بنُ ثور، عن معمر، قال: دخلْتُ بيتَ قتادة، فأبصرْتُ رُطَبًا، فجعَلتُ آكلُه، فقال: ما هذا؟ قلت: أبصرْتُ رُطبًا في بيتكَ فأكلْتُ. قال: أحسنْتَ، قال اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {أَوْ صَدِيقِكُمْ}.

وذكَرَ عبدُ الرَّزّاق (٢)، عن مَعْمَر، عن قتادةَ في قوله: {أَوْ صَدِيقِكُمْ}. قال: إذا دخَلْتَ بيتَ صديقِكَ من غيرٍ مُؤامَرتِه لم يكنْ بذلك بأسٌ.

قال معمرٌ: ودخَلْتُ بيتَ قتادة، فقلتُ له: أأشربُ من هذا الحُبِّ (٣)؟ لحُبٍّ فيه ماء، فقال: أنت لنا صديقٌ (٤).

قال معمرٌ: وقال قتادةُ، عن عكرمة، قال: إذا ملَك الرجلُ المفتاحَ فهو خازنٌ، فلا بأسَ أن يَطعَمَ الشيءَ اليسير (٥).


(١) في الحديث الأوّل له، وهو عن أُمِّه عمرة بنت عبد الرحمن، وهو في الموطأ ٢/ ٢٨٩ (٢١٧٠)، وسيأتي في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.
(٢) في تفسيره ٢/ ٦٤.
(٣) المراد بالحُبِّ هنا: الجرّة الضَّخمة، ويُجمع على حِبَبة وحِباب. ينظر: العين واللسان (حبب).
(٤) تفسير عبد الرزاق ٢/ ٦٥.
(٥) تفسير عبد الرزاق ٢/ ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>