للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: الكُفرُ هاهُنا كُفرُ النِّعمةِ، وليسَ بكُفرٍ ينقُلُ عن المِلَّةِ.

كأنَّهُ قال: كفَرَ نِعْمةِ (١) التَّأسِّي التي أنعمَ الله على عِبادِهِ بالنَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ففيه الأُسوةُ الحَسَنةُ في قبُولِ رُخْصتِهِ، كما في امتِثالِ عَزِيمتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

والكلامُ في هذا على قَوْلِ المُعتزِلةِ والخَوارج يطُولُ، وليسَ هذا مَوْضِعهُ، لخُرُوجِنا عمّا لهُ قصدنا، وباللّه توفيقُنا.

واختلَفَ الفُقهاءُ فيمن صلَّى أربعًا في السَّفرِ، عامِدًا أو ساهيًا (٢).

فقال مالكٌ: من صلَّى في سَفَرٍ تُقصرُ فيه الصَّلاةُ أربعًا، أعادَ في الوقتِ صَلاةَ سَفَرٍ. ولم يُفرِّق بين عامِدٍ وناسٍ. هذه رِوايةُ ابن القاسِم (٣).

قال ابن القاسم (٤): ولو رجَعَ إلى بيتِهِ في الوقتِ، لأعادَها أربعًا. قال: ولو أحرمَ مُسافِرٌ، وهُو يَنْوي أربعًا، ثُمَّ بَدا لهُ فَسلَّم من اثْنَتينِ، لَمْ يُجزِهُ.

ورَوَى ابن وَهْب، عن مالكٍ، في مُسافِرٍ أمَّ قومًا، فيهِم مُسافِرٌ ومُقيمٌ، فأتمَّ الصَّلاةَ بهِم جاهِلًا. قال: أرَى أن يُعيدُوا الصَّلاةَ جميعًا. وهذا قد يُحتملُ أن تكُون الإعادةُ في الوقتِ.

وقال ابن الموّازِ (٥): من صلَّى أربعًا ناسيًا لسفرِهِ، أو لإقْصارِهِ، أو ذاكِرًا لذلكَ، وقال سحنُونٌ: أو جاهِلًا، فليُعِد في الوقتِ، ولو افتتَحَ على ركعتينِ فأتمَّها


(١) في م: "لنعمة".
(٢) تنظر التفاصيل في مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٣٥٨ (٣٣١).
(٣) المدونة ١/ ٢٠٨.
(٤) كذلك.
(٥) هو فقيه الديار المصرية، أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن زياد ابن المواز الإسكندراني المالكي، توفي سنة ٢٦٩ على الصحيح. انظر: تاريخ دمشق ٥١/ ١٩٧ - ١٩٨، وسير أعلام النبلاء ٦/ ١٣. وينظر قوله في عقد الجواهر الثمينة لابن شاس ١/ ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>