للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمُسافِرِ أن يُصلِّي رَكْعتينِ، إلّا أن يَنْوي القَصْرَ مع الإحرام، فإن أحرَمَ، ولم يَنْو القصرَ، كان على أصلِ فَرْضِهِ أربعًا (١).

قال أبو عُمر: قولُ الشّافِعيِّ في هذا البابِ، أعدلُ الأقاويلِ إن شاءَ الله، وقولُ مالكٍ قريبٌ منهُ نحوهُ، لأنَّ أمرهُ بالإعادةِ في الوقتِ استِحبابٌ، وكذلكَ قولُ أحمدَ بن حَنْبل في هذا البابِ.

قال الأثرمُ: قلتُ لهُ: للرَّجُلِ أن يُصلِّي في السَّفرِ أربعًا؟ قال: لا يُعجِبُني. ثُمَّ قال: السُّنَّةُ رَكْعتانِ (٢).

وأمّا قولُ الكُوفيِّين فضعيفٌ لا أصلَ لهُ، إلّا أصلٌ لا يثبُتُ، وقد أوْضَحنا فسادَ أصلِهِم، واعْتِبارهُمُ القُعُود مِقدارَ التَّشهُّدِ في غيرِ هذا الموضِع.

ومِمَّا يدُلُّ على ما اخْتَرناهُ، إتمامُ من أتمَّ من الصَّحابةِ، ولم يُنكَرُ ذلكَ عليه، وقد أخبَرَ الله عنهُم أنَّهُم خيرُ أُمَّةٍ أُخرِجت للنّاسِ، يأمُرُون بالمعرُوفِ، وينهَوْنَ عن المُنكرِ (٣)، فما لَمْ يُنكِرُوهُ وأقرُّوهُ، فحقٌّ وصوابٌ.

وقُلنا: إنَّ القَصْرَ أوْلَى، لأنَّهُ المشهُورُ من فِعْلِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفرِهِ، وهُو فِعلُ أكثرِ الصَّحابةِ والتَّابِعين، فإن تَكُن رُخصةً، ويُسرًا، وتَوْسِعةً، فلا وجهَ للرَّغبةِ عنها، فإنَّ الله قد أحَبَّ أن تُقبَلَ رُخْصتُهُ وصَدَقتُهُ ونأتِيَها، وإن تَكُن فَضِيلةً، فهُو الذي ظَنَنَّا.

وكيف كانتِ الحالُ، فامتِثالُ فِعْلِهِ في كلِّ ما أُبِيحَ لنا، أفضلُ إن شاءَ الله، وعلى هذا قال جماعةٌ من أهلِ العِلم: إنَّ المسحَ، أفضلُ من الغَسْلِ، لأنَّهُ كان


(١) ينظر: مختصر اختلاف العلماء ١/ ٣٥٨، والاستذكار ٢/ ٢٢٥.
(٢) انظر: المغني لابن قدامة ٢/ ١٩٩، وتفسير القرطبي ٥/ ٣٥٢.
(٣) يشير إلى قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: ١١٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>