للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أصحابُ أبي حنيفةَ: إنَّما جازَ لهنَّ ضربُ أخْبِيتِهِنَّ في المَسْجِدِ للاعتِكافِ، من أجلِ أنَّهُنَّ كُنَّ مع رسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وللنِّساءِ أن يَعْتكِفنَ في المَسجِدِ مع أزْواجِهِنَّ، وكما أنَّ للمرأةِ أن تُسافِر مع زَوْجِها، كذلكَ لها أن تَعْتكِفَ معهُ (١).

وقال: من لَمْ يُجِزِ اعْتِكافهُنَّ في المسجِدِ أصلًا، إنَّما تركَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "الاعتِكافَ، إنكارًا عليهِنَّ. قال: ويدُلُّ على ذلكَ قولُهُ: "آلبِرَّ يُرِدنَ؟ ". قال: وقد قالت عائشةُ: لو رأى رسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أحدَثَ النِّساءُ بعدهُ، لمنعهُنَّ المسجِدَ (٢).

ولم يختلِفُوا أنَّ صلاةَ المرأةِ في بَيْتِها، أفضلُ من صَلاتِها في المسجِدِ، فكذلكَ الاعتِكافُ، واللّه أعلمُ.

وأمّا قولُهُم في هذا عن يحيى بن سعيدٍ، بإسنادِهِ: أنَّ رسُولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ إذا أرادَ أن يَعْتكِفَ، صلَّى الصُّبحَ، ثُمَّ دخلَ في مُعْتكَفِهِ. فَلا أعلمُ من فُقهاءِ الأمْصارِ من قال به، إلّا الأوزاعيَّ، وقد قال به طائفةٌ من التّابِعينَ، وهُو ثابِتٌ عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (٣).

ذكَرَ الأثرمُ، قال: سمِعتُ أحمد بن حَنْبل يُسألُ عن المُعتكِفِ في أيِّ وَقْتٍ يدخُلُ مُعتكفهُ؟ فقال: يدخُلُهُ قبل غُرُوبِ الشَّمسِ، فيكونُ يَبْتدِئُ ليلتهُ. فقيلَ لهُ: قد رَوَى يحيى بن سعيدٍ، عن عَمْرةَ، عن عائشةَ أُمِّ المُومنين: أنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يُصلِّي الفجرَ، ثُمَّ يدخُلُ مُعْتكفهُ. فسكتَ (٤) (٥).

قال: وسمِعتُهُ مرَّةً أُخرى يُسألُ عن المُعتكِفِ، في أيِّ وقتٍ يدخُلُ مُعتكفهُ؟ فقال: قد كُنتُ أُحِبُّ لهُ أن يدخُل مُعْتكَفَهُ باللَّيل، حتّى يبيت فيهِ، ويَبْتدِئَ


(١) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٤٩.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٢٧٤ - ٢٧٥ (٥٣٣).
(٣) انظر: الاستذكار ٣/ ٤٠١.
(٤) انظر: الاستذكار ٣/ ٤٠٠، وانظر فيه أيضًا ما بعده.
(٥) وقع هنا في: م، تقديم قدر نصف صفحة عن موضعها، تأتي لاحقًا، ويأتي التنبيه عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>